– يبدو أن الأخ الكريم المشير البشير كان من ضمن الذين استمتعوا بما نضحته مهارات منافسات كأس العالم فرسخت فى ذاكرته القريبة وهو فى الطريق إلى المحكمة انطلاقات (كليان امبابى) وارتقاءات (يوسف النصيرى) وتصديات (يس بونو) وحفر فى ذاكرته مهارات ميسى السحرية إذ يعرف متى يحتفظ بالكرة تحت أقدامه ومتى يُمررها ومتى يسددها ومتى ( يجرى بالخصوم ومتى يتخلص منهم)!!! …ثم مارس كل هذه المهارات فى مرافعته التاريخة تلك وترك آل قحط مثل حارس كوستاريكا أمام الأسبان لايعرف من أية الاتجاهات تنطلق مقذوفات الكرة إلى شباكه
– شكليا حضر المشير البشير إلى المحكمة بمهابة واناقة الزى السودانى الكامل وتلا شهادته بذات الصوت الجهورى الذى يعرف متى يدغم الحروف ومتى يظهرها ويعرف كيف يستخدم الايماءات والإشارات فيما يسميها أهل الخطابة بلغة الجسد والصوت والنبرات وحركة الوجه والنظرات، وبثبات انفعالى وموثوقية عالية قدم الرجل مرافعة باذخة بدلا مما كان ينتظره خصومه( الإستماع إلى أقوال المتهم ) ، نعم وبمقدرات ومهارات ضابط مظلى معتق ومُجيد وحاذق غادر المشير البشير طاولة( المتهمين ) وارتقى إلى مقام القاضى الذى يحاكم الحاضر بالتاريخ ويتحول من متهم يبحث عن المدافعة الضيقة عن بيان ٣٠يونيو إلى مفتخر فجر ثورة الإنقاذ الوطنى فسحب الرجل خلفه الجميع ، قضاة وهيئة اتهام ومشاهدين واضطرهم لحمل احذيتهم وعض ثيابهم بين أسنانهم واللهث خلفه للحاق به فى المسرح الجديد الذى بناهُ بنفسه للمحاكمة، ثم لم ينس الرجل أن يُخرج الجميع ، (من هم فى القاعة ومن هم خارج القاعة) للبحث عن اسم قرية وادعة إسمها السنجكاية حيث حبس حقبة الأحزاب البئيسة بين ضفتى ترعتها واغرقها هناك ونفض أياديه وهو يبتسم !!
– نعم فالرجل فعل كما يفعل ( العرفانيون) فقام بشحن الناس جميعا وأنزلهم على (قيفة ترعة) قرية السنجكاية ليقفوا على انجاز الأحزاب الخاملة حيث كبرى من خمسة أمتار مكسور الظهر ومبذول الحشا وكأنه يختصر القول فيشير إن الأحزاب هى التى انقلبت فى داخل هذه الترعة أما أنا فقد فجرت ( ثورة الإنقاذ الوطنى)
– كل هذا عن الجانب الشكلى للمرافعة فتعالوا (نطّوّف قليلا بالمضمون)
– فالمضمون هو أن البشير يريد أن يقول أن الإنقاذ مفخرة وليست سُبة وأنها يجب أن تُحاكٍم لا أن تُحاكَم وأن تحرك الجيش لانتشال البلد وليس للانقضاض على الحكم وأن العبرة بالعطاء وليس بالمسميات وأن الإنقاذ أعطت فى شتى المجالات فى حين أن الأحزاب شيدت كبرى من خمسة امتار انهار فى اسبوع ، وأن الجيش هو الذى يتحمل عبء العملية السياسية كلها، يتحمّل ضعف الأحزاب وخيانتها وعمالتها وعجزها واحترابها فيما بينها واحتطابها لاشعال نيران التمزق والشتات فى جسد هذا البلد الكظيم
– نعم فالبشير يومذاك وكما قلنا فى مقالةِِ سابقةِِ لنا بعنوان( محاكمة البشير ام محاكمة الانقلابات؟ ) إن الأولى بالمحاكمة هى الأحزاب التى تدس فى جيوبها مشاريع انقضاض على السلطة بواسطة خلاياها فى الجيش، وأنها هى التى توفر حيثيات تدخُّل القوات المسلحة لاستنقاذ مايمكن استنقاذه من البلاد
– أحزاب سياسية لاتفعل شيئا عندما تصل إلى الحكم سوى توزيع (الرخص التجارية) لمحاسيبها وعندما تخرج من السلطة لاتستحى حتى من بيع ثيابها للحركة الشعبية فتوقع على بند عدم (قيام أحزاب سياسية على أساس دينى) وهم فى ذات الوقت يسوسون البسطاء بصفات وألقاب دينية كاذبة ومكذوبة فمن يحاكم من ؟
– نعم من يحاكم من ؟ الذى توسع فى إنتاج البترول وضاعف إنتاجية الكهرباء والمياه وبسط الطرق وارتفع بالسدود وفتح الجامعات والمشافى وبنى الجيوش وكان فى عهده تصدُر أكثر من خمسين صحيفة لاتخلو صفحاتها من النقد الحراق للحكومة والذى سعى للحوار والوفاق فكانت نيفاشا واتفاقات دارفور وملتقى كنانة للحوار السودانى وحوار قاعة الصداقة الأشهر ام الذين حولوا البلاد إلى (حمام جاكوزى) لفولكر وتحولوا هم لمجرد خِرقِِ بالية يمسح بها على حذائه وأنفه ، أصحاب تسويات السِفاح مجهولة المصير ؟؟
– إييييه
– ( إذا خان الأمير وكاتباه وقاضى الأرض داهن فى القضاء فويلُ ثم ويلُ ثم ويلُ لقاضى الأرض من قاضى السماء)
– حاشية
– والذين يحاكمون البشير الآن بالمنطق المعوج هذا وبذات اعوجاج منطقهم فهم أحق بالمحاكمات ثلاث مرات منذ ذهاب الانقاذ … والأيام دول ومن سره زمن ساءته أزمان !!
– أخيرا
– إلى – أخى صلاح جلال … أرهقت نفسك بالدفاع عن حقبةِِ غيهب سخر منها المرحوم عمر نورالدائم فى مداخلة شهيرة فى الجمعية التأسيسية وبكاها الشريف زين العابدين عليه الرضوان فى ذات الجمعية ونعاها المرحوم الصادق المهدى غفر الله له فى كتابه الموسوم ( الديمقراطية راجحة وعائدة ) إذ حمّل ضعف الأحزاب مسؤولية ( هلهلة) الحقب الديمقراطية فمابالك تُرهق نفسك بتحضير الأرواح وبعث الموتى واستدعاء (البعاعيت) فالبشير بذكره للسنجكاية يومذاك أراد بذكاء أن يعقد المقارنات بين عطاء حكومته وهباء الأحزاب المنثور فلاتتبع الفشلة ولاتدافع عن الخيابات والسراب الكذوب ( مودتى التى تعلم)
حسن إسماعيل