لم يكن الاهتمام بالسينما السودانية حديثاً، حيث أنشئت أول وحدة لإنتاج الأفلام عام 1949، وكان مكتباً عاماً للتصوير يتم فيه إنتاج الأفلام الدعائية تحت سلطة الاستعمار البريطاني، أما بعد الاستقلال عام 1956، فكان عدد دور العرض في السودان نحو 30 داراً.
وخلال الفترة التي سبقت حكم البشير، الذي بدأ عام 1989، مرت السينما السودانية بمراحل متقلبة ومحاولات جادة وإنتاج حقيقي، وكانت الأفلام المنتجة تقتصر على معالجة المشكلات الاجتماعية آنذاك.
وجرت أول محاولة لإنتاج عمل روائي طويل عام 1970، وهو فيلم “آمال وأحلام” من إنتاج الرشيد مهدي وإخراج إبراهيم ملاسي، بينما قام بالمحاولة الثانية أنور هاشم الذي أنتج وأخرج فيلم “شروق” عام 1973.
السينما الحديثة
في عام 2014، أقيم أول مهرجان للسينما المستقلة، وبرز حينها عدد من السينمائيين السودانيين، وأخذ نجمهم في السطوع عقب سقوط نظام البشير.
وشكل النظام البائد حاجزاً بينه وبين ازدهار السينما السودانية، حيث ظل النظام الإسلامي لا يتفق مع الفنون والمسرح وأغلق غالبية دور العرض.
“ستموت في العشرين” كان الفيلم السوداني الطويل الأول بعد 20 عاماً من الانقطاع، ونشر في عام 2019، وهو فيلم دراما سوداني من إخراج أمجد أبو العلا.
حاز الفيلم الذي عرض في مهرجان البندقية السينمائي الدولي جائزة “أسد المستقبل”، بينما حصل على جائزة “نجمة الجونة الذهبية” لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وجائزة “التانيت الذهبي” من مهرجان قرطاج، وبعدها توالت النجاحات وحازت أفلام سينمائية عدة جوائز كبرى.
حاز فيلم “الست” للمخرجة سوزان ميرغني على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان “نيو أورلينز” بالولايات المتحدة الأميركية.
كما فاز الفيلم الوثائقي “الحديث عن الأشجار” للمخرج صهيب الباري بسبع جوائز دولية، أبرزها جائزة اختيار الجمهور في مهرجان برلين السينمائي الدولي، وجائزة لجنة التحكيم الكبرى بمهرجان مومباي السينمائي في الهند.
بينما شارك الفيلم القصير “طنين” في مهرجان القاهرة السينمائي، وعكس معاناة المرضى السودانيين وتدهور القطاع الصحي وندرة الأدوية.
وقال مخرج فيلم “طنين” محمد فاوي إن “هناك معاناة لعدم وجود سينما في السودان، والفيلم مستوحى من قصة حقيقية لمعاناة الأشخاص من الأمراض وعدم قدرة من حولهم على إنقاذهم”.
وأضاف فاوي أن “السينما لغة بصرية مشتركة بين العالم لنقل الأحاسيس في ما بينهم”، لافتاً إلى أن الفيلم يتناول ما حدث لبعض الأفراد القريبين منه وكيفية قضاء أوقاتهم الأخيرة بالمستشفى.
إسهامات الثورة
بينما اعتبر المخرج محمد علي أن “الثورة السودانية أسهمت بصورة واضحة في خلق مساحة أكبر بالحريات والأفكار، والمقاومة في حد نفسها خلقت في نفوس المخرجين والممثلين والمبدعين نوعاً من الحماس والرغبة في الإنتاج والنجاح والتقدم”.
وعن علاقة النظام السابق بالإنتاج السينمائي، قال علي إن “النظام الذي أغلق دور السينما من المؤكد أنه لم يسهم، بل منع قطاع السينما من التقدم، وذلك لأسباب متعلقة بجعل الإنسان السوداني منعزلاً عالمياً يركض فقط خلف توفير لقمة العيش، ولأن السنيما تفتح أعين الناس على مواضيع اجتماعية وسياسية وغيرها لم يرغب النظام السابق في فتحها أو لفت الأنظار إليها”.
وعن نجاح قطاع السينما ما بعد الثورة، قال علي إن “الثورة مرتبطة بالتحرر من الظلم والفشل وساعدتنا في صنع مساحات واسعة وجعلتنا أكثر حرية من الماضي، لذلك كانت الأعمال المنتجة تسعى لعكس صورة جيدة عن السودان ونجحت في ذلك”.
الممثل المشارك في فيلم “طنين” جسور أبو القاسم، قال إن “الثورة ساعدت صناع الأفلام بالسودان في خلق مساحات كبيرة وجديدة للظهور، وساعدت بمشاهدها الكبيرة المتمثلة في المواكب والاعتصامات والحراك الثوري عموماً في تنمية الحس الفني، إضافة للقصص والحكايات خلال الأربع سنوات الماضية، هناك صحوة في المشهد السينمائي السوداني يساعد صناع الأفلام للانطلاق وجعل السودان موجوداً في المشهد الثقافي العالمي”.
النقاد يتعرضون
وعلى الرغم من الاحتفاء الكبير بما قدمته السينما ما بعد الثورة السودانية، فإن بعض النقاد السينمائيين السودانيين اعتبروا أن أي عمل لا تشارك الدولة في رعايته مصيره الاندثار.
وقال الناقد السينمائي السوداني هيثم الطيب لـ”اندبندنت عربية” إن “نجاح السينما السودانية في الثلاث سنوات الأخيرة جاء نتاج جهد خاص، بمعنى أدق نجاح قائم على اجتهاد بعيد عن الدولة وحقق مكانة عالية، لكن في ظني من دون رؤية منهجية من الدولة ستكون كل النجاحات كجزر متقطعة”.
وأضاف الطيب “نحمد لكل جهد خاص، ويجب على المجتمع السوداني قيادة رأي عام ضاغط لصياغة رؤية تنظيمية أولاً لحركة السينما السودانية ومن ثم صناعة مسارات تطويرها، هذه النجاحات إن لم تضف لها رؤية رسمية للسينما السودانية، لن نحس بطعم أي نجاحات واجتهادات ذاتي”.
وعن نجاح قطاع السينما في المستقبل، قال الطيب إن “تحقيق أي نجاح مستقبلي مرتبط بمدى فاعلية المؤسسات الرسمية، وبحكم تخصصي أستطيع القول إن كل ذلك محكوم عليه بالفشل، لأن عقل الدولة سياسي وليس ثقافياً، حتى الثورة التي قمنا بها لم تضع فلسفة بناء عقل ثقافي يقود الدولة مستقبلاً ويحقق أهداف الثورة، والقادة الذين وصلوا الحكم بعد الثورة كانوا نسخة من الفشل السوداني في التعامل مع المسألة الثقافية بشكل عام، لذلك لم تنجح الثورة ثقافياً”.
أسماء جديدة
وعن نتائج نجاح عدد من الأفلام المنتجة، أخيراً، يرى الطيب أن “النجاحات التي تحققت أضافت لنا على الأقل أسماء قادرة على صناعة النجاح، تنتظر فقط شكلاً منهجياً رسمياً يدفعها ويضيف لها كل الأدوات التي تستطيع بها رسم ملامح نجاحات جديدة”.
وأضاف “وضع الرؤية ضروري، لأن النجاح الخارجي إن لم يكن جزءاً من حركة إنتاجية داخلية متفقين عليها رسمياً وهناك قناعة من كل العاملين في المجال بها لن تكون النجاحات منهجية، بل يتواصل مداها الذاتي وهذا يصنع نوعاً من الغياب الحقيقي للسينما كصوت الدولة بمعناها الرسمي والشعبي”.
ويرى الطيب أن “جزءاً من قيمة النجاح البحث عن أفق التخطيط المؤسسي للسينما السودانية، لكن كعادتنا لن نفعل ذلك، يمكن أن نصنع مستقبلاً ناجحاً بالعلمية والمنهجية الكلية لنضع خطة ماذا نريد من السينما السودانية، حاضراً ومستقبلاً”.