أعجبني اختيار (منصة واكب) لـ(تاركو) كأفضل شركة طيران سُودانية خلال العام 2022، وسألت نفسي مُباشرةً، كيف تأتي لهذه الشركة أن تحصل على كل هذا التميُّز رغم ما تتعرّض له من كيدٍ واستهداف وتربُّص؟!، بل كيف مضت إلى ما نالته من تتويج ومديرها العام سعد بابكر (الذي لم ألتقِ به حتى كتابة هذا المقال) مازال حبيساً في سجن كوبر مع (القَتَلَة والمُجرمين)، وفي تهم لم تثبت ذات صلة بغسل وتهريب الأموال.
حزنت لحال بلادنا وهي تُكافئ الناجحين على طريقة (جزاء سنمار)، قبل أن أتحسّر على ضياع هيبة الدولة وهي تفشل في حماية المؤسسات الناجحة وتفرط في وجودها إلى هذا الحد.
التتويج يقودنا مُباشرةً إلى اجترار مأساة وطنية تتعلّق بوجود تاركو في الأجواء و(العلالي)، بينما نفشل في مُجرّد منح مديرها الحق في الخروج إلى فضاءات الحرية بـ(الضمانة العادية)، ونقايض حُريته بـ(دفع جزية دولارية) حدّدها موظف لدى خصومه الذين فتحوا البلاغ ضده، فمالكم كيف تحكمون..؟
لو كان هنالك تصنيفٌ لأكثر الأخبار المُؤلمة خلال العام 2022 لكان الذي أوردته الوسائط المُتابعة لقضية مدير تاركو قبل أيّامٍ وقد جاء نصه: (كشف المتحري في قضية بنك الخرطوم وشركة تاركو للحلول المتكاملة القضية 246/ 2018, أن المواطن عبد الوهاب والذي كان شاهداً في القضية ويعمل محاسباً في شركة (تباركو) هو مَن حَدّدَ مبلغ الكفالة المالية للمتهم سعد بابكر بمبلغ 21,300,000 مليون دولار حسب يوميات التحري، وشدد محامي الدفاع أن الشاهد الذي حدّد الكفالة لا علاقة له ببنك الخرطوم ولا يعمل فيه، ولا علاقة له بشركة تاركو، غير أنه شاهدٌ في القضية ومحاسبٌ في شركة تباركو، وأوضح محامي الدفاع بأن جميع المرابحات الأربع محل الدعوة تمّت بالعملة المحلية الجنيه السوداني ولا توجد في أيِّ مرحلة من مراحل المرابحة وجود العملة الحرة “دولار أو درهم” وتم سدادها مبكراً وبكامل أرباحها التي بلغت 60% من قيمة المرابحات) انتهى الخبر المؤلم.
وعلى ضوء ما تَمّ تحديده من قِبل مواطن موظف لدى خصوم سعد في القضية، ما زال مدير الشركة الأولى في مجال الطيران مُحتجزاً يقضي عقوبة السجن قبل المحاكمة وفي تُهمٍ لم تثبت عليه، هل يتصوّر أحدٌ أن بإمكانه البقاء حبيساً ل(سبعة أشهر) في (غربيات سجن كوبر) دون محاكمة..؟
ستظل قضية السيد سعد بابكر أنموذجاً للوجع الوطني المُقيم، واختباراً لنزاهة العدالة في السودان، وترسيخاً لمفاهيم مُحبطة تُؤكِّد أننا أمة تحارب الناجحين، وإن الفضاء الرسمي في الدولة لا يُوفر أية حماية لمُؤسّساتها الكبيرة، وإن لحظة انطلاقك في السودان هي توقيت احتراقك، وإنه للأسف ما طار طائر وارتفع إلا كما طار وقع، وإنك ستجد آلاف البنادق المصوبة باتجاهك لحظة تحليقك من قبيل الحَسد والغل وتصفية الحسابات..!
لله درّكم يا أهل تاركو وأنتم تزاحمون باسم السودان في الفضاءات باسم وطني خالٍ من كوليسترول الشبهات والتجاوزات، وتُقدِّمون أنموذجاً إنسانياً فاضلاً في (البزنس) الذي يحتاجه مُواطننا وخزينة دولتنا الخاوية، وتقدمون رغم الاستهداف خدمةً مُحترمةً قربتكم كثيراً من وجدان المواطن السوداني.
خبرنا تاركو في الملمات وهي تنقل جثامين السودانيين بلا مُقابل، وتتلطّف بمرضاهم وتقلهم إلى المشافي بتفانٍ وضميرٍ، عرفناها جسراً جوياً يُوصِّل جسد الوطن بشرايين العالم ويمنحه أوكسجين البقاء على قيد الحياة، تُوفِّر الدواء لملايين الأجساد التي تنتظر رحمة ربها تحت وطأة الظروف التي لا ترحم، وتُساهم في الفعل الاجتماعي والثقافي راعيةً لكل أبناء السودان الصُّنّاع والزُّراع والمُبدعين والطلاب، تحتفي بفعالياتهم ومشروعاتهم وتنفق عليها من قبيل مسؤوليتها الاجتماعية دُون تحيُّزٍ أو مَنٍّ ولا أذى.
ستظل تاركو شركةً وطنيةً كبيرةً تنحاز إلى مواطنها، ولا ترهن مسيرها لأحدٍ، فقد توافقت في رحلتها نحو منصات النجاح كل مُقوّمات الحس الوطني والأداء المهني الرفيع، فكانت ابنة بارّةً بالشعب السوداني، وقد بحثنا في ملفات التهم التي دفع بها خُصومها فلم نجد أثراً لجريمة أو حيثيات لتُهمة حتى الآن، ولو تجاوزت (تاركو) أو ملاكها للقانون وأقدمت على ارتكاب جُرمٍ لكُنّا أول الداعين لمُحاكمتها.
ما نعلمه وقرأناه وتابعناه، يجعلنا نكتب أنه وفي مواجهة (تاركو) فشلت كل الدعاوى بالداخل والخارج ومازال مديرها في السجن ينتظر البراءة أو الإدانة، فامنحوه إحداها حتى لا يمكث الرجل في سجنه بلا ذنب رهيناً لمبلغ ضمانة حدّدها خصمه فهذا أمرٌ يُوجع العدالة..!
أتمنى أن يفتح الوسام الذي منحته (منصة واكب) لتاركو، بصر المسؤولين في بلادنا عن أهمية أن يُدار هذا الملف بالحِكمة والنزاهة المطلوبة، وأن يحرصوا على وضعه بعيداً عن (الباصات البينيّة) من هُنا وهُناك، وأن يقبلوا على التعاطي مع القضية بما يخدم المُواطن السوداني وهو يمنح (تاركو) شرف التّحليق رغم ما تتعرّض له من استهدافٍ، ونأمل من (كبار البلد) التّعقُّل والتّدخُّل المُفضي إلى تحصين القضية من حظوظ النفس الأمّارة بالسُّوء، فكثيرٌ من المداد المكتوب أُريق حول تلاعُب يُمارس بغير وجه حقٍ، ولنسأل أنفسنا لمصلحة مَن يُحاولون تدمير تاركو..؟
التهنئة لـ(أهل تاركو) ومؤسسيها (سعد بابكر وقسم الخالق بابكر) اللذين لم ألتق بأحدهما حتى اليوم، ولكني من داعمي الأفعال الوطنية العظيمة، وسيظل قلمي حارساً للعدل، وباحثاً عن الحقيقة يتبعها حيثما وجدها، وأهنئ بشكلٍ خاصٍ مدير عام تاركو المرابط في السجن لسبعة أشهر يفترش (بلاط الغربيات البارد) في سجن كوبر مع القَتَلَة والمُجرمين، بينما طيرانه يحصد جائزة العام..!