– يقول الراوى أن المعارضة الحزبية فى أواخر عهد مايو انزعجت جدا من نجاح عمليات استكشاف البترول التى كان قد أعلنها المرحوم جعفر نميرى وكانت شرارة التمرد قد اشتعلت للتو فاسرعوا فى استدعاء جون قرنق إلى لندن لتحريضه على التصعيد العسكرى حتى يتم إيقاف عمليات التنقيب ولكن الرجل رفع كتفيه وذكر لهم إن تنقيب البترول يتم فى أقصى الشمال من الإقليم الجنوبى وإنه لايملك مقدرات عسكرية للوصول لتلكم المناطق ولكنهم طمأنوه وأكدوا له إنهم استدعوه لتوفير السلاح ثم طاروا به إلى ليبيا بعد أن اخبروه إنهم سيقابلون به العقيد معمر القذافي وعليه أن يدعى أمامه أنه من المعجبين بأفكار القذافي وأنه مُولع بالكتاب الأخضر وسيسعى إلى إنزال أفكاره إلى أرض الواقع !!
– وبالفعل أكمل الرجل الدور الذى رُسم له واقنع العقيد بضرورة توفير السلاح لقطع عمليات التنقيب لأن استخراج البترول يعنى إطالة عمر مايو العدو اللدود للقذافى !!!
– يقول الراوى إن القذافي سُرّ سرورا عظيما بهذا الصيد (الثمين) وأمر بتفريغ جون قرنق شهرا كاملا يتم فيه تلقينه افكار الكتاب الأخضر حتى يتشربها جيدا ويصبح (ظل القذافى) فى أفريقيا جنوب الصحراء ثم بدأت شحنات السلاح تصل عبر ميناء مصوع إلى معسكرات قرنق فى اثيوبيا والتى نجح فى استخدامها فى إفساد مشروعين مهمين اولهما وقف عمليات تنقيب البترول والثانى طمر قناة جونقلى وكل هذا بحجة إسقاط نظام مايو ( ياسبحان الله )
– المُبكى والمُضحك فى هذه المأساة الملهاة أن جون قرنق وبعد سقوط مايو مد لسانه لتلك الأحزاب ومد يده يحاصر حكومتها الديمقراطية المزعومة ويُضيّق عليها الخناق ويسقط المدن فى الإقليم الجنوبى وبذات السلاح الذى منحه له القذافي وكان يضحك ويتسلى بهم ويقول لهم أنتم امتداد لحكومة مايو … ( مايو ٢)
– أما الأكثر مأساوية من كل ذلك وهو بعد سقوط حكومة الأحزاب هرعت قياداتها إلى جون قرنق فى اثيوبيا واوغندا لتدخل فى جيبه وتكون (صلصالا) بين يديه يشكلها كيف يشاء ويُعيرها ذات سلاح القذافي لتفتح جبهات قتال جديدة فى كسلا ودارفور وجنوب كردفان ( أما لهذا السقوط من قاع ) ؟؟
– الذى يفرد أصابع يديه ليحسب المشاريع الخدمية والاستراتيجية التى خربتها الأحزاب بحجة إسقاط الأنظمة السياسية التى تعارضها سوف لن تسعفه تلكم الأصابع وسيجد نفسه أمام ضمير سياسى مثقوب وعقل سياسى مسطح ومُجرّف وممحوق وأمام حالة من الخلط بين التكتيكى والاستراتيجى بل سيجد عسرا فى التفريق بين السياسية والإجرام وسيجد أن العمالة والإرتزاق كانت تنتعل قادة تلكم الأحزاب فى أقدامها وتجوب بهم فى طرقات السياسة !!
– يستطيع كل مواطن سودانى بسيط أن يحصى بالأرقام عدد المدارس التى حرقها التمرد فى دارفور بحجة إسقاط الإنقاذ ومن ثم إقامة نظام الفضيلة الديمقراطى على انقاض ذلك ( يا لِسِفلة العقول ورخصة الضمائر ) !! كما يستطيع كل مواطن أن يٌحصى عدد المشافى والأسواق التى حُرقت والطرق التى قُطعت والقرى التى سُفك دماء أهلها كما سُفِك دم شباب وشابات الإعتصام فى قلب الخرطوم تمهيدا لتوقيع الوثيقة الدستورية التى قسمت مقاعد الحكم بين العسكريين وقادة الأحزاب الذين باعوا حتى ملابسهم من أجل إسقاط عسكرية مايو والإنقاذ وكأن حميدتى وياسر العطاء والبرهان هم نوارة مؤتمر الخريجين (المدنى الديمقراطى)!!!
– نعم من قال إنّ الطريق للدولة المدنية الديمقراطية سيمر عبر حرق آبار البترول فى هجليج وغزو القرى الآمنة مثل ( ابو كرشولا) أو عبر حرق آليات بناء الطرق بين كردفان ودارفور أو قتل مهندسي الشركات الصينية الذين كانوا يعملون فى بناء شبكات المياه فى جبل مرة ؟ !!
– نحتاج قبل التباكى على المدنية والديمقراطية أن نتباكى على هذا الضمير السياسى الخرِب الذى لايستنكف أن يجوب العالم يستجديه مقاطعة أهل السودان وحصارهم ومنعهم من الدواء والتقانة والتحويلات المالية لخنقهم صحيا واقتصاديا ثم التظاهر ببناء أرجوحة الديمقراطية على كل هذه الأنقاض!!
– إن الجرذان المتعفنة الضمير التى تقرض أوتاد البناء الوطنى لايمكن أن تشمخ بالدولة الديمقراطية المدنية ، فالديمقراطيات مثل غرف العمليات تحتاح لأيدِِ معقمةِِ وضميرِِ صحيحِِ غير معتل حسن إسماعيل