لم تكن 2022م سنة سعيدة على السودانيين، فقد توزّعت أيامها بأزمات تمسك بخناق بعضها ابتداءً بشظف العيش، وسط أزمة اقتصادية طاحنة وارتفاعٍ لافتٍ لجرائم القتل والنهب بالعاصمة والولايات.
أما حالة الطقس، فقد جاءت متطرفة، وشهدت البلاد أشهر صيف شديدة السخونة ودرجات حرارة مستعرة حتى كادت أن تحرق أوراق الشجر في بعض المناطق، تزامنت مع قطع خدمة الكهرباء بالأحياء السكنية والدواوين الحكومية لساعات طويلة، ثم انهمر خريف بمُعدّلات قياسية غير مسبوقة بالأمطار والسيول والفيضانات تسبّب في وقوع مئات الضحايا، انهيار عشرات آلاف المنازل.
جرائم القتل والنهب أو السّرقة بالإكراه، أصبحت أشبه بالظاهرة في الخرطوم، وما إن يفوق سُكّان العاصمة من فاجعةٍ مُؤلمةٍ، حتى يدخلوا في أخرى أشد وطأةً.
وأحصت تقارير صحافية وقوع سلسلة جرائم قتل، في وقت وجيز، ابتداءً من مجزرة حي امتداد ناصر التي شهدت مقتل امرأة وابنها وابنتها رمياً بالرصاص داخل منزلهم يوم 25 نوفمبر الماضي، ثم تلتها جريمة قتل شرطي عُثر عليه مُضرجاً بالدماء ومُوثّقاً بالحبال في أم درمان، وقد نهبت عربته ومسدسه الشخصي، كما قُتل مسن برصاص مسدس جاره إثر خلاف بسيط، كما أزهق شاب يافع روح طبيبة بدافع السرقة بحي الفتيحاب، كما قُتل طالب جامعي طعناً على يد زميله بحي أركويت أثناء مشاهدة مباراة لكرة القدم بمونديال قطر، ومقتل مغنية الراب رنا بدر الدين بشقة مفروشة في الخرطوم بحري.
أما جرائم النهب أو السرقة بالإكراه، فكثيراً ما تناقلت مواقع التواصل بالسودان مقاطع مُروِّعة لجرائم النهب أو السرقة بالإكراه، وثّقتها كاميرات مراقبة أو هواتف نقالة لاختطاف حقائب الفتيات أو نهب ما خف وزنه وغلا ثمنه كالهواتف الذكية والمشغولات الذهبية والساعات.
وعادةً ما يستغل أفراد تلك العصابات التي تُعرف محلياً بعصابات “9 طويلة”، الدراجات النارية، ما دعا سلطات ولاية الخرطوم لإصدار مرسوم ولائي في أبريل الماضي يجرم ركوب شخصين على دراجة نارية واحدة.
القانوني والمستشار السابق بوزارة العدل نصر الدين أبو شيبة، قال لـ”العربية.نت”: انتشار جرائم القتل والنهب وسط المجتمع السوداني مؤخراً تعود لعدة أسبابٍ، على رأسها الأزمة الاقتصادية وزيادة مُعدّلات الفقر والبطالة وانتشار المُخدّرات، لاسيّما وسط الشباب والطلاب وقلة رقابة الأُسر على أبنائها، تلك العوامل وضعف الوازع الديني والأخلاقي، ساعدت على ظهور تشكيلات عصابية لا تتورّع عن ارتكاب أبشع جرائم القتل والنهب.
ويضيف أبو شيبة الذي شغل رئيس نيابة الخرطوم شمال لأعوام طويلة لـ”العربية.نت”: هناك أسبابٌ إضافيةٌ تتمثّل في التوسع في استخدام الإنترنت ومواقع التواصل، ما أدى إلى ظهور أنماط جديدة في ارتكاب الجرائم، بطريقة لم تكن مألوفة وسط السودانيين، وأصبح مرتكبو الجريمة يقلدون التي يتم بها ارتكاب الجرائم خارج السودان.
ختاما نقول- الحديث لا يزال لا بوشيبة – لارتكاب أي جريمة لا بد من توفر ثلاثة عوامل، وجود مجرم ووجود ضحية ووجود ظروف مواتية لارتكاب الجريمة، لكل العوامل المذكورة يمكننا استخلاص أن الظروف الحالية مُواتية لجرائم القتل والنهب بالعاصمة والولايات المختلفة، ولمعالجة تلك الظاهرة لابد من معالجة أسبابها.
الأزمة الاقتصادية الخانقة تتمثل في شلل الأنشطة الاقتصادية وزيادة مُعدّلات التضخُّم وغلاء الأسعار التي بلغت 500% وتفشي الفقر والبطالة وضعف المرتبات وتدني متوسط دخل الفرد وتراجع عمليات البيع والشراء بالأسواق رغم وفرة المعروض من السلع والبضائع.
البروفيسور عصام الدين عبد الوهاب بوب الأستاذ بكلية الاقتصاد جامعة النيلين قال لـ”العربية.نت”: (أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية في السودان بالعام 2022م، ليست فقط الكساد أو التضخُّم، اللذين امتزجا وأصبحا ما نطلق عليه “التضخُّم الركودي” وهو أخطر ما يُمكن أن يحدث لاقتصاد أي بلد، ومن أهم معالمه تباطؤ أو توقف الدورة الاقتصادية في البلد، بالتالي حدوث انخفاض حاد في الاستهلاك مع ارتفاع حاد في أسعار السلع).