المجلس العدلي .. بين مطرقة الإطاري وسندان القانون!

نبيل أديب: مجلس مؤقت تحاصره تحديات الاتفاق الإطاري

انتقد قانونيون إقامة مجلس عدلي بالبلاد يقوم بتعيين رئيس القضاء والنائب العام والمحكمة الدستورية، وذلك وفق الاتفاق الإطاري بين المجلس المركزي والمكون العسكري، وذلك على خلفية تقديم ٢٠٠ قاضٍ من مجموع ٢٠٣ مذكرة قدمت لكل جهات الوساطة + الجيش + الإطاري ترفض المجلس العدلي المقترح من الاتفاق الإطاري، وكثر الجدل حول المجلس العدلي المرتقب تعريفه، وما هو النص الذي ورد بشأنه في الإطاري من سيعين المجلس العدلي ومن سيعين رئيس القضاء وهل يمكن يؤدي ذلك لعدم استقلالية القضاء؟
واعتبر محللون الخطوة غير موفقة بسبب الرفض الكبير للإطاري فيما رأى قانونيون أن المجلس لن يفلح في التأسيس لقضاء نزيه ومستقل.

تضارب النسخ!
قال المحامي نبيل أديب إن المجلس العدلي بحسب ما ورد في الوثيقة الدستورية يتكون من أحد عشر عضواً، ومهمته تعيين رئيس القضاء ومساعديه والنائب العام، وكذلك مساعديه ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، وأضاف نبيل لـ(اليوم التالي) أمس: ينتهي عمل المجلس بذلك ولا يكون له وجود، وحول من سيعين المجلس العدلي قال أديب: هناك نسختان من الاتفاق الإطاري، نسخة تقول يعينه رئيس الوزراء بموافقة القوى الموقعة على الإعلان السياسي، والنسخة الثانية تقول يعينه الموقعون على الإعلان السياسي، وحول تأثير المجلس الذي سيعين رئيس القضاء على عدم استقلالية القضاء قال أديب: دعنا أولاً نقول إنه في الأساس وعادة وعند حدوث أي ثورة يتم تغيير في قيادة القضاء، متى ما كان النظام السابق نظاماً استبدادياً، ويسيطر على الهيئة القضائية، ولكن هذا لا يعني أن يفقد القضاء استقلاله.
ومضى أديب: في رأيي ما ورد في الاتفاق الإطاري بنسختيه معيب، لأنه يتحدث عن تدخل سياسي واضح في تكوين المحاكم العليا كلها، والأصح وما هو موجود أصلاً في القانون هو تكوين مفوضية الأجهزة العدلية، هنالك قانون تم إصداره بالفعل في الفترة الانتقالية، وهذا القانون كان يضع مفوضية للأجهزة العدلية ويكونها رئيس القضاء والنائب العام ونقيب المحامين، كل منهم يختار عضوين من هيئته (قضاء.. نيابة.. محامين)، بالإضافة إلى عضوين من الخارج، وبالتالي هذه اللجنة تشكل مفوضية الهيئة القضائية والتي تشكل الأجهزة العدلية ويجوز لها أن ترشح من يشغلون المناصب، وان تمارس عمل المراقبة على هذه الأجهزة، لأنه هنالك مثلاً بالنسبة للهيئة القضائية هناك (مجلس القضاء العالي) والذي يعين ويحاسب وينهي تعيين القاضي، وهذا من داخل الهيئة القضائية وفقاً لإجراءات قانونية محددة.
وتابع نبيل ما جاء في الاتفاق الإطاري مجلس عدلي ينتهي دوره بتعيين هذه الأجهزة (رئيس القضاء…النائب العام.. المحكمة الدستورية، ولكن في إحدى النسخ من الإطاري يشكل المجلس العدلي رئيس الجهاز التنفيذي الذي هو (رئيس الوزراء) بالتشاور مع الموقعين، وفي النسخة الثانية يعين المجلس العدلي الموقعون، ولفت أديب الى أن هذا التضارب من شأنه أن يؤثر على استقلال القضاء، بل يؤثر على التوقيع على الاتفاق الإطاري نفسه، لأن التوقيع يشترط أو على الأقل توفر على الشخص الموقع أن يكون مساهماً في بناء الأجهزة العدلية، هذا يحمل أيضاً أن عملية التوقيع على الوثيقة الإطارية كوثيقة دستورية ليست عملية طوعية مائة بالمائة، لأن الغرض من التوقيع يمكن لدى البعض أن يكون الهدف منه فقط المشاركة والتأثير في بناء الأجهزة العدلية والحاكمة، وأكد أديب أن هذا الوضع (معيب) قانونياً.
وشدد أديب على أنه لابد من ترك مصلحة الإصلاح القضائي للعاملين في الحقل القانوني، بشكل يعطي دفعة للأجهزة التي تم تخريبها من الداخل عن طريق تدخل النظام السابق، وزاد: ربما لا يكون من كتب الاتفاق الإطاري موفقاً، ولكن أيضاً لابد من قبول نوع من إعادة النظر في المسألة العدلية كلها، لا بد من إصلاح الأجهزة العدلية كلها من التخريب، ونوه: (لكنني أفضل ما جاء في قانون مفوضية الأجهزة العدلية، عن ما جاء في الوثيقة الإطارية).
أزمة العدالة!
القانوني المعز حضرة قال إن القضاء يعاني من مشاكل عديدة بنيوية ومركبة ومعقدة، ثلاثون عاماً تم فيها تسييس القضاء السوداني تماماً، وتم فيها وضع القضاء تحت إمرة الحزب الحاكم المؤتمر الوطني، حيث كان قضاة ينتمون للسلطة القضائية يعملون ضباطاً في جهاز الأمن، والدفاع الشعبي وأضاف حضرة لـ(اليوم التالي) أمس: هؤلاء كانوا يكتبون التقارير ضد زملائهم ويسيرون المواكب والمتحركات العسكرية، وهذا كله يتنافى مع دور القضاء المستقل. وتابع: كنا نتمنى أن نسمع صوت هؤلاء القضاة الـ٣٠٩ الذين تقدموا بالمذكرة خلال الثلاثين عاماً تلك، لم نسمع صوتاً واحداً منهم، عندما كان المخلوع يفصل ويسيس القضاء، ويقوم بإبعاد القضاة الشرفاء إلى الأماكن النائية من البلاد، ومضى حضرة: الحمد لله في ثورة ديسمبر المجيدة التي جعلت لهؤلاء القضاة صوتاً مسموعاً ويرفعون المذكرات، في وقت كان مجرد الدردشات بين القضاة تنقل بواسطة (البصاصين)، للأسف من القضاة ومن الحجاب للسلطات الى رئيس القضاء ليقوم بمحاسبتهم ونقلهم، فالحمد لله على نعمة الثورة، والرحمة والمغفرة لشهداء ديسمبر المجيدة، العظيمة التي جعلتنا نسمع أصوات هؤلاء القضاة .
ومضى حضرة: نحن والقضاة متفقون على إيجاد حلول، القضاء الآن غير مستقل، قضاء مسيس، حتى رئيس القضاء الموجود الآن تم تعيينه بواسطة رئيس المجلس الانقلابي، ويستطيع الآن رئيس المجلس الانقلابي أن يفصله ويفصل أي قاضٍ .
ولفت حضرة الى أن القانونيين متمسكون ببناء قضاء مستقل وتابع: نريد أن نبني قضاءً حراً مستقلاً.
وحول ما ورد في مسودة الاتفاق الإطاري قال حضرة: الحديث عن المجلس هو آلية مؤقته لاختيار رئيس قضاء مستقل لتحقيق أهداف هذه الثورة العظيمة، وهذا يحدث في كل العالم، في مراحل الانتقال من دولة انقلاب إلى دولة ديمقراطية.
وخول المذكرة المقدمة قال: لا أعتقد أن عدد القضاة الوارد يمثل كل القضاة في السودان لأن العدد أكبر من ذلك بكثير، هذا مناحية، ومن الناحية الأخرى أمثال هذه المذكرات تمثل استعانة بالعسكر، لأنها قدمت للعسكر ووللآلية الثلاثية، وتساءل: لماذا لم تقدم للأطراف التي تقود التفاوض إن كانوا يريدون الإصلاح، ومضى: إن القضاء المستقل لا يعني القضاة وحدهم، بل يهم كل السودانيين، فلماذا لا يتحاور هؤلاء القضاة مع السياسيين والحقوقيين والقانونيين، وتابع: لكن مذكرة ترفع للعسكر وحدهم فهذا في حد ذاته فساد في الاستدلال، وفساد في اختيار الطريق الخطأ، وتساءل أيضاً: لماذا يذهب القضاة للعسكر هل يريدون أن يحتموا بهم، ومضى: العسكر كما يقول هتاف الشارع لا أمان لهم، (ما تدي ضهرك للعسكر)، وزاد: عليه إذا كان هؤلاء القضاة يحسون أن هنااك أزمة فقد كانت هنالك أزمات أكبر من هذه الجزئية الصغيرة في اختيار رئيس القضاء، حمدنا للقضاء مذكرتهم بعد ما كثر القتل خارج القانون، بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر، ماذا حدث في هذه المذكرة، لماذا لم يتبعوها بمذكرات أخرى، لماذا لم يدافعوا عن المحامين الذين ظلوا يذودون عن القضاة عندما كانت تنتزع حقوقهم إبان المباد، وزاد حضرة: أعتقد أن الموضوعية تفترض أن يجلس كل أصحاب المصلحة من كل الشعب لبحث كيف نبني القضاء المستقل، أما مثل هذه المذكرات فلا تجدي..
في مهب الريح!
وقال المحلل السياسي عبد القادر محمود صالح إذا كان الاتفاق الإطاري ذاته مجروحاً، فلابد لكل ما يخرح عنه أن يكون كذلك، وأضاف لـ(اليوم التالي): هذا المجلس بشكل أو بآخر يعمل على عدم استقلالية القضاء، ما الضرورة من تكوين مجلس جديد، طالما هنالك مجلس أعلى القضاء والمحكمة العليا، وتابع: إذا صار الاتفاق الإطاري المتنازع عليه هو المصدر للتشريع فهذه كارثة، لاعتبارات عديدة، لأنه أولاً مرفوض من قبل القوى الثورية والقوى غير الثورية التي تمثل القوى الإسلامية، إذن هنالك قوى سياسية واجتماعية ومدنية، عريضة ترفض بداية هذا الاتفاق، بالتالي جعله المصدر وكل ما يتمخض عنه وجعله المرجعية في التشريع وفي عملية خلق المؤسسات، كل هذه النتائج ستبو باطلة، هذا المجلس إذا تكون من ٧٠ أو ٣٠ عضواً أو غير ذلك، لن يسهم بالضرورة في صناعة قضاء مستقل محايد كما هو مشهود له منذ الاستقلال.
ومضى صالح: محاولة خلق هذا المجلس في هذه الظروف بالغة التعقيد مع وجود اتهامات تشير مباشرة إلى قيادات كبيرة في المكون العسكري لضلوعهم في فض الاعتصام، واتهامات تشير إلى قوى الحرية والتغيير في أنها كانت تعلم حيثيات فض الاعتصام، ما دامت كل هذه الحيثيات موجودة وقائمة، فإن محاولة إقامة مجلس عدلي وسطها سيكون مبرراً ومعروف الأهداف والغايات.
مهندسو الاتفاق!
من جهته قال القيادي بالوفاق الوطني مبارك أردول في مقال نشرته (اليوم التالي) إن هذا الاتفاق مفخخ وقلنا إننا نعارضه، وواجب إسقاطه، وحتى لا يكون حديثنا يحسب في إطار المنافسة السياسية، وكسب للنقاط عند الخصوم، دعونا نبين للقارئ الكريم أخطر نقاط التفخيخ وكيف تم تسليم الدولة بكاملها لقوى سياسية عبر هذا الاتفاق، وبما أن العدالة هي أحد أركان إقامة الدولة فلو أقيمت باعتدال صلحت الدولة ولو استميلت خربت الدولة، دعونا نستبين ونعضد حديثنا بما كتبه مهندسو الاتفاق الإطاري الثنائي، هكذا كتب النص عن تكوين المجلس العدلي المؤقت في الفصل الثالث تحت هياكل السلطة الانتقالية والفقرة ثمانية (مجلس عدلي مؤقت من (11) عضواً من الكفاءات الوطنية القانونية يعينه رئيس الوزراء بترشيح من الأطراف المدنية الموقعة على الإعلان السياسي لاختيار رئيس القضاء ونوابه والنائب العام ومساعديه ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ويعتبر محلولاً بانتهاء مهمته).
وتابع أردول: ونسأل من هو رئيس الوزراء وكيف يتم اختياره نرجع للفقرة أربعة من نفس الفصل (تقوم قوى الثورة الموقعة على الإعلان السياسي بالتشاور باختيار رئيس/ة الوزراء الانتقالي وفقاً لمعايير الكفاءة الوطنية، والالتزام بالثورة والإعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال)، وما هي قوى الثورة؟ وما هي معاييرها؟ لا ندري عنها لأن القوى مقسمة عندهم لقوى ثورة وقوى انتقال، وأين هو الإعلان السياسي؟ نقول بما إنه موجود، ولكنه غير منشور وغير معروفة نصوصه، أرجو أن لا تخلطوا بينه وبين الاتفاق الإطاري الذي وقع في القصر في الخامس من ديسمبر الجاري، فهو شيء والإعلان السياسي شيء آخر.
نعود لأمرنا، فبهذه النصوص أعلاه فسنسمح لرئيس الوزراء رئيس الجهاز التنفيذي وهو سياسي بامتياز حسب النص، وغير مستقل ومعين من القوى السياسية بالتدخل في الجهاز العدلي كله، من أعلاه لأدناه، وفعلياً سيكون رئيس الوزراء أعلى من رئيس القضاء والنائب العام، بل وأعضاء المحكمة الدستورية، لأنه فعلياً هو من اختارهم، باختياره للهيئات التي اختارتهم، ففضلاً عن أنه سياسي وتنفيذي وغير مستقل فإنه تدخل في اختيار السلطات العدلية، فالبتالي لا يمكن محاكمته أو الطعن في قراراته، ولا يمكن لأجهزة العدالة المختارة منهم تلك إلا أن تنفذ ما يريده هو وتريده تلك القوى السياسية التي تسانده، بل وسيكونون مثل الموظفين تحته إذا لم يكونوا رفاقه وأشقاؤه وأحبابه في الحزب، وهو وهم أنفسهم يجب أن يكونوا مساءلين أمام العدالة غير المسيسة.

الخرطوم: إبراهيم عبد الرازق

Comments (0)
Add Comment