نهى محمد الأمين أحمد
nuha25@yahoo.com
الجمل ما بشوف عوجة رقبته، مثل هذه الأمثال كثيرة سواء بالعربية الفصيحة أو بلهجاتنا السودانية العامية التي تحدثنا أن الإنسان يظن على الدوام أنه على حق، وينصب نفسه في الكثير من الأحيان قاضياً يصدر الأحكام على الآخرين، يوجه الانتقاد، ويجتهد في تسليط الضوء على العيوب، وفي ذات الأوان يكون غافلاً تماماً بقصد أو بدون قصد عن أنه هو شخصياً، يحمل الكثير من العيوب والنقائص، وأنه ربما يكون الكثيرون لديهم رأي سلبي عليه، وأنهم ربما كانوا أكثر لطفاً وتفضلاً، لذلك لم يواجههوه بآرائهم هذه، لأسباب كثيرة بينها أنهم حريصون على علاقتهم به ولا يرودون جرح مشاعره، أو أنهم لا يعنون كثيراً بالأمر وقد يفضل آخرون النأي بأنفسهم عن النقاشات لأنهم لا يحبونها في الأساس.
خلق الله الملائكة منزهون عن النقائص، متفرغون لعبادة الله وطاعته وتنفيذ تكاليفه التي يأمرهم بها، وخلق الشياطين في أقصى النقيض، لا يحملون سوى الشر، وكان أول شرهم أن أخرج إبليس أبونا آدم من الجنة، وجاء الإنسان ليحمل في طينته بعض من هذا وبعض من ذاك، يحمل الخير جنباً إلى جنب مع الشر.
والفائز من يتغلب الخير عنده على الشر، ولكن الوقوع في الخطأ من طبع البشر وكلهم خطاؤون، وخيرهم التوابون، ومن أن يحيا حياة متزنة ويحظى بالمحبة من الآخرين، عليه أن يستوعب جيداً أن هذا ليس بالأمر السهل، وإرضاء الناس هو رابع المستحيلات، وقد جبل البشر على الحسد والطمع، والميل إلى تذكر النقائص وليس الخير الذي قدمته لهم، وحتى في نطاق الأسرة وبين الإخوان، قد تجد من قضى عمره متغرباً ليعول إخوته ويتكفل بجميع مستلزماتهم حتى يكملوا تعليمهم ويشقوا طريقهم في الحياة، وعند اضطراره للعودة قابلوا معروفه بالنكران، واستثقلوا وجوده معهم بعد أن نضبت موارده وجف معينه الذي طالما سقاهم، والنماذج كثيرة لمن زرعوا الخير وحصدوا الشر من أقرب الأقربين..
من أراد العيش في سلام، فعليه ألا ينصب نفسه حاكماً وجلاداً، وأن يبدأ بتقويم نقائصه والنأي بنفسه من السلوك غير القويم، وكثيراً ما قالوا أنه لو سمع أي منا ما يقال عنه وراء ظهره، ربما قاطع الكثيرين، لا تحكم على الآخرين من وجهة نظرك الشخصية المستقاة من تجاربك، فلكل فرد خصوصية الحالة، التجربة، الظروف المحيطة بالإضافة إلى تركيبته النفسية والاجتماعية الخاصة، لا تفسر الأشياء وفقاً لأهوائك، لا تحكم على الناس بدون أن تسمع منهم، وكن دائماً على ثقة أنك لست الأفضل على الإطلاق.