وصف محللون تهديدات رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة الناظر محمد الأمين ترك بإعلان الحرب في شرقي السودان بأنه “ابتزاز سياسي واستهلاك إعلامي”، في حين دافع مستشاره القانوني عنها، مبررا إياها بانقضاء المهلة التي منحها للحكومة.
ويعتقد مراقبون أن ترك لا يُمثل كل إقليم شرق السودان، إلا أنه يحظى بدعم كبير من قبيلة الهدندوة (كبرى قبائل الإقليم) ويتمتع بشخصية قيادية، وهو امتداد لزعامة والده في الشرق الذي أصبح رمزا له.
وتأتي تحركات ترك في الوقت الحالي لضرب عصافير عدة بحجر واحد؛ إذ يستبق ورش العمل التي تحضر قوى الحرية والتغيير مع الآلية الأممية الأفريقية لعقدها بدءا من الأسبوع المقبل لمناقشة القضايا الخمس المعلقة في الاتفاق الإطاري -ومن بينها قضية شرق السودان- لإنجاز اتفاق نهائي.
ويريد ترك أيضا -حسب مراقبين- ممارسة ضغوط عبر قضية الشرق على الخرطوم لتحقيق مكاسب لـ”قوى الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية” التي يتولى نائب رئيسها، حتى يحصل على تنازلات تُمكّن الكتلة من الانضمام إلى العملية السياسية.
ويسعى ترك أيضا إلى سحب البساط من تحت الجناح الآخر في المجلس الأعلى لنظارات البجا بقيادة إبراهيم أدروب وعبد الله أوبشار وسيد أبو آمنة، الذي أعلن في وقت سابق عدم اعترافه بالسلطة في الخرطوم واعتزامه الانفصال وتشكيل حكومة مؤقتة في الإقليم.
تهديد بالانفصال
وكان رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة محمد الأمين ترك هدد بإعلان الحرب في شرق السودان إذا رفضت السلطات السودانية منح الإقليم منبرا تفاوضيا منفصلا لتقرير المصير.
وقال ترك أمام حشد جماهيري بولاية كسلا، وهو يحمل مدفعا وذخائر أسلحة ثقيلة؛ “سنعود مُجددا لحالات القصف الجوي والمدفعي، وأحيي مواطني هذه المناطق الحدودية الذين صمدوا إبان سنوات الحرب”.
ووجه ترك انتقادات للسياسات التي اتبعها النظام السابق في تنمية المناطق المتأثرة بالحرب، وأضاف “هناك آلاف الشهداء والجرحى لم تعوضهم الحكومة أو المنظمات”.
وتحدث عن ترتيبات يقودها للانخراط في تحالف يجمع وسط وشمال وشرق السودان، إضافة إلى إقليم كردفان للعمل على تحقيق الحكم الذاتي، وتابع “واهم من يظن أنه يُريد أن يحكمنا من الخرطوم”.
ويرفض ترك مسار شرق السودان المضمن في اتفاقية جوبا لسلام السودان التي أبرمتها الحكومة الانتقالية عام 2020، وقاد قبائل البجا عام 2021 لإغلاق الموانئ الرئيسية في البلاد، والطريق الرابطة بين العاصمة الخرطوم وولاية البحر الأحمر، ضمن احتجاجات مناهضة للحكومة الانتقالية التي عزلها الجيش لاحقا.
انقضاء المهلة
ويوضح مستشار ترك للشؤون القانونية المحامي أحمد موسى أن رئيس المجلس الأعلى للبجا أعلن الاتجاه إلى تقرير المصير في هذا التوقيت بعد انقضاء المهلة التي حددها قبل 4 أشهر.
وقال موسى للجزيرة نت إن قوى “الحرية والتغيير-المجلس المركزي” أقصت شرق السودان من الاتفاق الإطاري، وتتجه إلى عقد ورشة لبحث أزمات الإقليم في غياب أهالي الإقليم وقياداته، ورأى ذلك امتدادا لأخطائها في السلطة منذ أن كانت حاضنة سياسية لحكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
ويؤكد موسى أن ترك سيستمر في حشد أهل شرق السودان لرفض الاتفاق الإطاري ومسار الشرق حتى تستجيب الحكومة لمطالب أهالي الإقليم بمنبر مستقل يناقش قضاياه بمشاركة أصحاب المصلحة، وطاولة مستديرة للقوى الوطنية والمجتمعية لحل أزمات البلاد.
وأنشأ محمد الأمين ترك -عقب اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020- المجلس الأعلى للبجا والعموديات المستقلة لمناهضة مسار شرق السودان في الاتفاق.
ويعتقد ترك أن المسار تجاوزهم ولم تتم مشاورتهم، وأن قادة المسار لا يمثلونهم. وينتمي قادة المسار -وهما الأمين داؤود وخالد جوايش ومحمد جميل- إلى قبيلة البني عامر (ثاني أكبر مكون اجتماعي بالإقليم).
وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن ترك تجميد المجلس الأعلى لنظارات البجا، واتهم أطرافا باختطافه؛ مما أدى إلى انشقاق المجلس، حيث تزعم نائبه إبراهيم أدروب جناحا آخر بالاسم ذاته. واتهم المنشقون نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان حميدتي -المكلف من مجلس السيادة بملف الشرق- باستمالة ترك لتغيير موقفه ودعم مسار الشرق.
كما تشكّل جسم آخر أكبر عددا وتمثيلا، ويضم 17 مكونا اجتماعيا، تحت مسمى مجلس الإدارة الأهلية لشرق السودان، ويشمل قبائل بني عامر والبشاريين والأمرار والبوادرة واللحويين والجميلاب والحباب والضباينة والصليحاب وغيرهم، ويساند هذا المجلس مسار الشرق في اتفاق السلام.
ترك يرفض الاتفاق الإطاري الذي وقعه مجلس السيادة مع قوى الحرية والتغيير (الأناضول)
ابتزاز سياسي
في المقابل، رأى القيادي في شرق السودان عبد الله درف أن “تهديدات ترك ابتزاز سياسي، واستهلاك إعلامي”. وقال للجزيرة نت إن ترك لا يمثل شرق السودان، وإن أغلب أهل الإقليم مع وحدة السودان، ولا يستطيع ترك تنفيذ تهديداته بمعزل عنهم، وإنه بات يمثل تيارا واحدا من المجلس الأعلى لنظارات البجا الذي انشق إلى 3 مجموعات.
بدوره، حذّر الباحث في قضايا شرق السودان سامي عبد الله من التسابق الإقليمي والدولي على الساحل السوداني في البحر الأحمر لإقامة قواعد عسكرية وموانئ في ظل حالة السيولة والهشاشة الأمنية والسياسية التي يعيشها السودان منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير.
وقال للجزيرة نت إن “أصابع أجنبية تؤجج الصراع بين مكونات شرق السودان في سبيل السيطرة على الإقليم”.
وأضاف أن الولايات المتحدة ترفض بشكل قاطع إقامة روسيا قاعدة لوجيستية في الساحل السوداني، وتعده من الخطوط الحمراء رغم الاتفاق بين الخرطوم وموسكو على إقامة هذه القاعدة.
وتناهض مكونات قبلية اتفاق وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم مع الإمارات مؤخرا على إنشاء ميناء “أبو عمامة” على بعد 200 كيلومتر من بورتسودان، وهو ما يتوافق مع مواقف دول مجاورة تخشى المنافسة في الموانئ والنفوذ والمصالح في المنطقة.
المصدر : الجزيرة