أثارت ظاهرة تشظي وتكاثر الحركات المسلحة داخل البلاد مخاوف كبيرة لا سيما وأنها تلقي بظلال قاتمة حول إمكانية نجاح جهود الاستقرار في المناطق التي عانت نزاعات أهلية استمرت أكثر من ثلاثة عقود. وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من (87) حركة مسلحة في السودان (84) منها في منطقة دارفور وحدها، ويرى مراقبون أن تكاثر الحركات المسلحة هو نتاج لسياسات قديمة اتبعها نظام الإخوان الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019، وذلك عبر اختراق الحركات الرئيسية وتأجيج الصراعات والنزعات الانفصالية داخلها حتى يسهل احتواؤها، كما أنها ظهرت في الأفق عن إعلان تأسيس جيوش في بعض المناطق التي لم تعتاد على مثل هكذا ظاهرة هو شيء مقلق ومهدد للأمن القومي والاقتصادي والأمني والاجتماعي وربما تؤدي لعودة الدولة السودانية إلى الحرب الداخلية مرة أخرى.
إعلان خطر
وقال الفاتح محجوب المحلل السياسي لـ(اليوم التالي): فوجئت الأوساط السياسية السودانية بظاهرة غريبة جداً وهي الإعلان عن تأسيس جيش في الوسط والشمال، ثم جيش آخر في شرق السودان، ولكن لم تهتم المؤسسة العسكرية كثيراً بهذا الإعلان رغم أنه ظاهرياً إعلان خطر جداً على الأمن في السودان وشاركت الأحزاب السياسية السودانية المؤسسة العسكرية في تجاهل ظاهرة الإعلان عن تلك الجيوش وتابع: وذلك لسبب بسيط هو أنهم يعلمون جيداً أن الإعلان هو في حقيقته مجرد إعلان سياسي في حقيقته وليس إعلاناً عسكرياً بالرغم من وجود شخصيات عسكرية مرموقة على قيادة تلك الجيوش، وهم يعلمون أن حل قضية شرق السودان كفيلة بإنهاء ظاهرة جيش الشرق، أما عدم إيجاد تسوية سياسية مقبولة من أهل الشرق لقضيتهم فهذا كفيل بتفجير شرق السودان سواء وجد جيش أم لا، وبالتالي لا يوجد تأثير حالياً لمثل هذا النوع من الإعلانات عن الجيوش.
جيوش قبلية
ومن ناحيته قال الباحث والمحلل السياسي أحمد عابدين لـ(اليوم التالي) إنه طالما ظل الصراع في السودان بكل مراحله بأدوات ليست سياسية ولا طابع فكري لها فإن مركز السلطة سيظل متنازع عليه بمظاهر كهذه، جيوش قبلية وخطاب عنصري وتم وضع جغرافي واستدعاء جهوي تابع كل الاتفاقيات التي تمت أسست للقبلية أضف لذلك فإن الخطاب المطلبي تأسس وسط الطبقة المتعلمة خلال العشرين سنة الأخيرة أسست داخل منابر النقاش في الجامعات لهذا الخطاب وما وجد مضاد ولا تفنيد وغابت اللغة الوطنية القومية فنشأت أجيال تتبنى الخطاب الجهوي والقبلي وأدخلته في الخطاب الوطني فيظهر للعامة بصورة مطلبية لمظلومين وزاد: متى كان البناء الوطني متنافساً حوله من قوى سياسية ضعيفة وعديمة المصداقية تزدهر فكرة الجيوش والمليشيات وتجد حظها من التأييد فكل ما نجحت فيه أحزابنا الوطنية هو استغلال الجماهير للكسب دون بنائها بالحس الوطني فتصير تلك الجماهير ضحية في مائدة تقاسم السلطة وأردف: هذا الوضع من الجيوش سيجلب في لحظة ما كارثة ومواجهة دموية وبهذا سيتقسم السودان كما يريد أعداؤه وبأيدي أبنائه، ولا حل إلا بقرار وطني يوقف هذا العبث ويعيد للدولة هيبتها ويضع حداً لهذا السوق.
تعدد جيوش
ويقول الخبير الأمني أمين مجذوب لـ(اليوم التالي) إن تعدد الجيوش وظاهرة حمل السلاح الأخيرة في السودان هو نتاج مباشر لاتفاقية جوبا للسلام حيث جاءت الحركات المسلحة بتكوينات المسلحة وتابع: يطلق عليها جيوش، لكن هي مليشيات ولم تتحول هذه الأجسام إلى أجسام سياسية ولم يتم تنفيذ بروتكول الترتيبات الأمنية حتى، وحقيقة لم يوجد حصر لهذه للقوات باعتبار أن التجنيد والغش في التجنيد ما زال مستمراً بالتالي الأعداد التي ترفع إلى الجهات المسؤولة في الدولة من الناحية الأمنية والسياسية أعداد كبيرة تستهلك موارد من الدولة لم يتم الدمج والترشيح حتى الآن لأسباب كثيرة عديدة منها تلكوء هذه الحركات في التسريح ودمج هذه القوات لأنها موجودة وقادتها سياسيون يحتفظون بهذه القوات من أجل المتاجرة بالترتيبات الأمنية حتى الآن ويمضي بالقول: واحدة من إفرازات اتفاقية سلام جوبا ظهور بعض التشكيلات العسكرية في بعض المناطق التي ترى أنه لا يمكن أخذ الحقوق الى بإقامة حركات مسلحة أسوة ببعض الأقاليم التي ثارت بالسلاح وأخذت حقوقها بالقوة، وترى حتى ترغم المركز للاستجابة لها لابد أن تلوح بالسلاح، ومضى مجذوب الى أن تأثير ذلك تأثير كبير على الوضع الأمني بوجود هذه الجيوش، في المدن من المفترض تكون هذه الجيوش خارج الحدود لمسافات بعيدة، والوجود الكثيف للسلاح في أيادي كثير من الجهات غير النظامية تنتج عنه حوادث نهب وقتل بارتداء الذي الرسمي لهذا يصعب التفريق بما كان هم عصابات أو يتبعون الأجهزة الأمنية النظامية أو جهات مطلبية وهذه تمثل إشكالية كبيرة في هذا الأمر، كما أن هنالك مجموعات وعصابات إقليمية كانت موجودة في دول مجاورة سابقاً بالتالي أصبح لدينا ما يسمى الجرائم العابرة للحدود سواء أن كانت جريمة تهريب الأسلحة أو المخدرات والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية.. كل هذه الجرائم التي تعبر الحدود أصبحت يشترك فيها بعض من يحملون الأسلحة من غير النظاميبن. وذهب إلى أن قضايا الأقاليم والذين يلوحون برفع السلاح ضد الدولة هي قضايا سياسية في المقام الأول لا تحل إلا عبر الحوار والجلوس في مائدة مستديرة لحل قضايا كل السودان، أما بالنسبة للذين الحركات المسلحة، فيجب الإسراع في الدمج والتسريح توفير الأموال الخاصة ببروتكول الترتيبات الأمنية وضع قيادات من الخبراء المعاشيين من ذوي الخبرة زات الخلفية العسكرية لأنهم الأدرى ولهم تجارب سواء في أديس الأنانيا في عام 1972م أو في نيفاشا أو حتى في الدول الصديقة لديهم تجارب ويمكن إدارة هذا العمل في أقصر فرصة ممكنة ..
مهدد أمني
من ناحيته يرى علي آدم يوسف الباحث والمحلل السياسي في حديثه لـ(اليوم التالي) أن ظاهرة الحركات التي تعلن عن نفسها حركات مسلحة ظاهرة مخيفة ومهددة للأمن القومي السوداني ذلك نتيجة للهشاشة الأمنية التي تعيشها البلاد خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بعمر السودان الذي أصبح منذ الاستقلال وظهور الدولة الحديثة التمرد على الدولة السودانية سمة ظاهرة وواضحة خاصة خلال العشرين السنة الماضية كثرت هذه الحركات من أجل نيل الحقوق التي أصبح رفع البندقية والتلويح بها هي التي تأتي بالحقوق والمظالم. وزاد: صحيح أن في السودان مظالم لكل الدولة السودانية يجب أن لا يكون طريق حل الأزمات أو المطالبة بالحقوق برفع السلاح في وجه الدولة لافتاً إلى أن هنالك طرق سلمية وحوارية أجدى من رفع السلاح الذي يؤدي بالدولة إلى مالكها وأردف قائلاً: الآن السودان أصبح مسرحاً للمخابرات والتدخلات الأجنبية وعدم الاستقرار السياسي أفرغ الدولة عن فرض هيبتها والحفاظ على الأمن القومي وعلى الدولة أن تردع كل من يلوح برفع السلاح عن طريق القوة الجبرية أو قوة السلاح حتى لا يفتح باب من هذا القبيل وتفتيت لحمة السودان، لذا على الدولة أن تقوم بواجباتها تجاه كل من يحاول تهديد الأمن القومي السوداني وإذا انفرط عقد الأمن في السودان فيتأثر به الإقليم ودول العالم، لذلك على الدولة سد مثل هذه الثغرات حتى لا تتوسع دوائر الحاملين على السلاح ويصعب وقف لمامة شمل هذا السودان.
تقرير: الخواض عبدالفضيل