استمر نزيف العملة المصرية مقابل نظيرتها الأميركية، اليوم الخميس، لليوم الثاني على التوالي بعد أن بدأت الحكومة بخفض عملتها، أمس الأربعاء، للمرة الثالثة منذ مارس (آذار) 2022.
وتراجع الجنيه المصري بنحو اثنين في المئة مقابل الدولار، الخميس، فيما قال مصرفيون إن “التداول كان ضعيفاً وإن الطلب على الدولار ظل مرتفعاً بعد ثالث خفض لقيمة الجنيه في أقل من عام، وفقاً لـ”رويترز”.
الدولار بـ27.1 جنيه أظهرت بيانات “رفينيتيف” تراجع الجنيه ليصل إلى 27.1 أمام الدولار الأميركي بعد تعاملات متقلبة أكثر من المعتاد، بينما تخطى السعر في الأسواق الموازية (السوداء) حاجز الـ30 جنيهاً مقابل الدولار الواحد.
وكان الجنيه تدنى، الأربعاء، بنحو 6.8 في المئة، مسجلاً أكبر حركة يومية منذ سمح له البنك المركزي بالانخفاض بشكل حاد في أكتوبر (تشرين الأول).
كانت مرونة سعر الصرف مطلباً رئيساً لصندوق النقد الدولي الذي وافق على حزمة إنقاذ مالي لمصر مدتها 46 شهراً بقيمة 3 مليارات دولار في أكتوبر، إذ كانت القاهرة تسعى إلى الحصول على القرض منذ مارس بعدما أدت التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا إلى تفاقم نقص النقد الأجنبي، مما تسبب في تباطؤ حاد بالواردات وتراكم البضائع داخل الموانئ قبل أن تعلن الحكومة الأسبوع الماضي أنها ألغت تدريجاً نظام خطابات الاعتماد الإلزامي للمستوردين الذي فرضته في فبراير (شباط) 2022، مما أدى إلى تفاقم أزمة الاستيراد، وفقاً لـ”رويترز”.
خسر 75 في المئة من قيمته فقد الجنيه المصري ثلاثة أرباع قيمته في غضون 11 شهراً، إذ خفض البنك المركزي قيمة العملة منذ مارس 2022 بنحو 75 في المئة ما يعادل 11.70 جنيه، إذ تراجع سعر الصرف من 15.5 جنيه ليسجل الآن نحو 27.2 جنيه مقابل كل دولار.
وأعلنت القاهرة الأسبوع الماضي أنها ألغت تدريجاً نظام خطابات الاعتماد الإلزامية للمستوردين الذي فرضته في فبراير 2023.
في غضون ذلك قال مصرفيان إن “تداول الجنيه كان ضعيفاً وإن الطلب على الدولار ظل مرتفعاً اليوم، في وقت تكافح البنوك للاستجابة لطلبات ضخمة متراكمة لتوفير الدولار”.
وأفاد أحد المصرفيين بأن “الطلب على الدولار يتركز حول واردات في طريقها بالفعل إلى البلاد أو تم طلبها حديثاً”. امتصاص السيولة تزامناً مع خفض قيمة العملة، أصدر بنكا الأهلي ومصر المملوكان للدولة، الأربعاء، شهادات ادخارية جديدة مدتها سنة بعائد يصل إلى 25 في المئة يصرف مع نهاية مدة الشهادة، أو بعائد يبلغ 22.5 في المئة يصرف شهرياً، وذلك اعتباراً من الرابع من يناير.
وهذا ما أرجعه متخصصون تحدثت إليهم “اندبندنت عربية” إلى أسباب عدة من بينها سحب السيولة من السوق المحلية لكبح الطلب في ظل معروض محدود من المنتجات والسلع إلى جانب أنها تحرك استباقي من البنوك المحلية لكبح موجات سعرية تضخمية ترقباً لقرار لجنة التسعير التلقائي للوقود التي ستحدد أسعار المحروقات خلال أيام لمدة ثلاثة أشهر مقبلة، وهو ما قد تنتج منه صدمة تضخمية بالأسعار تسعى البنوك إلى السيطرة عليها.
في العام الماضي حركت الحكومة أسعار المحروقات ثلاث مرات، الأولى في فبراير والثانية في أبريل (نيسان) بنسبة 3.5 في المئة، بما يعادل 25 قرشاً (0.010 دولار أميركي)، مع تحريك سعر طن المازوت 400 جنيه (16.15 دولار)، وكانت المرة الأخيرة في يوليو (تموز) الماضي قبل أن تثبت الأسعار في أكتوبر الماضي عند ثمانية جنيهات (0.32 دولار أميركي) لليتر “بنزين 80” و9.25 جنيه (0.37 دولار) لليتر “بنزين 92” و10.75 جنيه (0.43 دولار) لليتر “بنزين 95” و7.25 جنيه (0.29 دولار) لليتر السولار، في حين سجل سعر بيع طن المازوت لغير استخدامات الكهرباء والمخابز 5 آلاف جنيه (202 دولار) للطن.
استمرار الخفض من جانبه رحب المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي هاني توفيق بقراري رفع أسعار الفائدة من البنك المركزي المصري وخفض قيمة الجنيه، قائلاً إنهما “خطوتان سليمتان في الطريق الصحيح”، مستدركاً “لكن ما لم تصاحب السياسة النقدية الحكيمة التي يتبعها البنك المركزي سياسات أخرى رشيدة مالية واستثمارية واقتصادية بالتوازي، فلن نكون تحركنا من موقعنا ولن يكون هناك أمل في نمو اقتصادي أو تنمية أو ازدهار”.
وأوضح أن “السياسات المطلوبة هي تلك التي تهدف إلى زيادة إيرادات الدولة من كل أنشطتها الاقتصادية والاستثمار وإزالة معوقاته المعروفة والإنتاج والتشغيل والتصدير وخفض نفقات الحكومة، وأخيراً الاستغلال الأمثل وإعادة ترتيب الأولويات لموارد الدولة المحدودة”.
وعن توقعاته في شأن تحريك الدولار مقابل الجنيه في الفترة المقبلة، قال توفيق إنه “على رغم أن سعر الجنيه حالياً مقوم نظرياً بأعلى من قيمته الحقيقية، إلا أنه من المنتظر أن يستمر تحريكه تدريجاً وبمرونة إلى أن يصل لنقطة التوازن”. وأشار إلى أن “تلك النقطة التي يتساوى فيها سعر السوق مع السعر الرسمي، وهو ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي”، مستدركاً “لكن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى ذخيرة كافية من الدولار الأميركي لدى البنك المركزي ليستطيع الدفاع بها عن السعر الرسمي للدولار وتحقيق التوازن في الأسواق”.
وحركت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.25 في المئة و17.25 في المئة و16.75 في المئة على الترتيب خلال آخر اجتماعات اللجنة في 2022 الخميس 22 ديسمبر الماضي، وكانت اللجنة حركت أسعار الفائدة خلال العام الماضي بمقدار ثمانية في المئة منذ مارس الماضي في ثلاثة اجتماعات كان آخرها في أكتوبر.
استقرار الأسبوع المقبل في المقابل توقع عضو مجلس إدارة شركة “إيليت” للاستشارات في الأوراق المالية محمد كمال أن “يشهد سعر صرف الجنيه أمام الدولار استقراراً حول المستويات الراهنة بحلول منتصف أو أواخر الأسبوع المقبل”، مشيراً في تصريحات إعلامية إلى أن “الشهادات الادخارية التي أصدرتها البنوك الحكومية ستمتص التذبذب الحالي بين العملتين المصرية والأميركية”.
في تلك الأثناء قال محللو “دويتشه بنك” في مذكرة، أمس الأربعاء، إن “التعديل الحالي في قيمة الجنيه يعد محدوداً بشكل كبير، مقارنة بأول تخفيضين لقيمة العملة في 2022”.
وبتوازيها مع قرار رفع سعر الفائدة 300 نقطة أساس في ديسمبر، فإن الجهود “تظهر بوضوح نهجاً لإعادة جذب التدفقات الأجنبية (الهيكلية) إلى الأسواق المحلية”.
وأعلن البنك المركزي المصري، أمس الأربعاء، ارتفاع صافي الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بنحو 500 مليون دولار ليبلغ نحو 34 مليار دولار بنهاية شهر ديسمبر 2022 مقارنة بنحو 33.5 مليار دولار خلال نوفمبر (تشرين الثاني) السابق له.
إندبندنت