على غير العادة، تأخر إقرار الموازنة السودانية لعام 2023 عن الموعد المعتاد في ديسمبر/كانون الأول، لتدخل البلاد في العام الجديد من دون قانون مالية عامة.
ويشهد السودان اضطرابات سياسية منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد قيام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بإجراءات تضمنت حل مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين وإقالة الولاة، قبل التراجع عن بعض الإجراءات.
إلا أن هذه الإجراءات عطلت مسارات كثيرة في الدولة، من بينها الموازنة التي أودعتها وزارة المالية السودانية لدى مجلس الوزراء، ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولم تتم إجازتها بصورة نهائية حتى الآن.
ورغم ذلك، فإن بعض الوحدات الحكومية، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، بدأت في زيادة رسومها على بعض الخدمات، الأمر الذي أثار حفيظة المواطنين، لتطبيق الزيادات من دون إجازة الموازنة بصورة نهائية.
وقال وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، إن وزارته لا تملك سلطة فرض ضرائب أو رسوم جديدة، مشيرا إلى أن ذلك اختصاص السلطة التشريعية.
وأوضح إبراهيم -في تدوينة على صفحته الرسمية الشهر الماضي- أن الوحدات الحكومية هي التي تقترح تعديل رسومها وفق تقديرها لتكلفتها الحقيقية، ويقتصر دور الوزارة على الموافقة عليها.
وأشار إلى أن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لا علاقة لها بالرسوم الدراسية التي تفرضها الجامعات، كما أنه لا علاقة لها بالجبايات التي تتم في المحليات والولايات وطرقها.
أزمة حقيقية
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي ياسر العبيد أن هناك أزمة حقيقية في إدارة الجانب المالي بالبلاد، ويشير -في حديث لوكالة الأناضول- إلى اعتماد الدولة على الجبايات والرسوم، لتعزيز الإيرادات العامة بعد توقف المنح والمساعدات الدولية.
ومنذ إجراءات البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، توقفت المنح والمساعدات من الدول المانحة للضغط على الخرطوم من أجل عودة الحكومة المدنية.
وأشار العبيد إلى أن السودان نفذ كل اشتراطات البنك الدولي بحذافيرها، لكن البنك لم يقدم أي منح، وأوضح أن الجهة المسؤولة عن الموازنة العامة للدولة هي وزارة المالية، ولا بد أن تخلق توازنا وتعمل على حشد الموارد.
البنك الدولي لم يقدم أي منحة للسودان رغم تنفيذه لكل الاشتراطات حسب مراقبين (غيتي)
وقال إن “وزارة الداخلية غير مسؤولة عن زيادات الرسوم في استخراج الأوراق الثبوتية، فالمواطن قد خرج من ضغوطات كبيرة بعد رفع الدعم عن المحروقات والخبز والزيادات الكبيرة في الضرائب”.
وضع غير طبيعي
في المقابل، وصف الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي عاصم إسماعيل الوضع السياسي في السودان بأنه “غير طبيعي”، وأكد أن الأجواء السياسية العامة بالبلاد ترتبط ارتباطا وثيقا بالشأن الاقتصادي، وعلى وجه الخصوص بالموازنة العامة للدولة.
وأشار إسماعيل إلى عدم وجود حكومة رسمية، إذ إن “الذين يتولون العمل التنفيذي بالوزارات الآن هم مكلفون، وحتى مجلس الوزراء مكلف، وليس حكومة معينة”، وقال إنه “من الطبيعي ألا تكون هنالك موازنة بالمعنى المتعارف عليه في السنوات السابقة، بسبب الارتباك الذي تعيشه الحكومة الحالية”.
وأضاف “حتى لو أجيزت موازنة، سواء كان من المكلفين من مجلس الوزراء، أو من القطاع الاقتصادي، فإن ذلك كله مرهون بتكوين حكومة جديدة، مما يعرقل عملية إجازة الموازنة”.
وتابع “موازنة العام الماضي لم تعمل بها الحكومة، بل عملت بمبدأ الإيرادات الفعلية الشهرية والإنفاق بناء عليها. إن عدم التوصل لاتفاق بين المكونات السياسية بالسودان، وتكوين حكومة لفترة انتقالية تعمل جاهدة على مسألة الموازنة، سيفاقم الأمور”.
إلى حين ذلك ستظل وزارة المالية -وفق المتحدث ذاته- “تفرض رسوما على المواطنين وتمارس التضييق المعيشي، لجهة أن كل الإيرادات الموجودة بالدولة توقفت لعدم وجود إيرادات بالخزينة العامة”.
المصدر : وكالة الأناضول