غاندي معتصم يكتب: لجنة تمكين الإستبداد ومصرع الاقتصاد

غاندي معتصم لجنة تمكين الإستبداد ومصرع الاقتصاد

 

يجب التسليم أولا أن الفترة الإنتقالية الماضية كانت فى مجملها بائسة فى أدائها لغياب المنهج القويم، وقد كان من أشد أعمالها بؤسا ما سمى بلجنة إزالة التمكين،

فلن تجد أحدا من عامة السودانيين ونخبهم يجادل في أهمية محاربة الفساد، هم يدركون أن الفساد أس البلاء ورأس الرمح فى تدهور الإقتصاد وتأزيم الأوضاع الإجتماعية وتدهور الأخلاق. لكن السؤال هو هل تريد أن تحارب وتحاكم الفاسدين من أهل النظام السابق أم تريد محاربة فكرة أو تنظيم سياسى؟ .

لجنة إزالة التمكين المقبورة كانت فى كل خطواتها وافعالها تشير إلى أنها تستهدف الإسلاميين كفكرة وتنظيم سياسى، واتخذت محاربة الفساد غطاءا لتحقيق تلك الغاية.

دليلى الأول أن نائب رئيس اللجنة وعضو مجلس السيادة محمد سليمان الفكى أعلن على رؤوس الأشهاد أن هذه اللجنة سياسية، وكان هذا اول مسمار يدق فى نعش اللجنة. ثم تلك المؤتمرات الصحفية الاسبوعية وما يرافقها من تصريحات من شاكلة ستصرخون ثم نشر أسماء من حكمت عليهم اللجنة دون أن تشير لأسانيدها وما ارتكزت عليه لاتخاذ قراراتها. كان أداء اللجنة حملة دفتردارية من الطراز الأول (الدفتردار هو من قاد حملة الإنتقام من السودانيين لقتلهم إسماعيل باشا) ومصداقا لما ذكرناه بحق اللجنة عندما عرض عملها أمام القضاء السودانى سقطت اللجنة سقوطا مريعا كشف عن جهلها بأبسط القواعد القانونية للمحاكمة العادلة.

خلال اليومين الماضيين تم عقد مؤتمر لتقييم وتقويم أداء اللجنة، وهذا توجه محمود جدير بالدعم والمؤازرة. لكن هنالك مظاهر و مؤشرات ظهرت أثناء المداولات تخبر عن خطأ جسيم، وقد تمثل ذلك فى هذا الرهط من الأجانب الذين أطلق عليهم خبراء في مجال التفكيكك، عجبت كثيرا أن يكون السودان محتاجا لخبراء يرسمون له طريق محاربة الفساد، السودان الذى أرسل خبرائه القانونيين لليمن الموحد فى الستينات والسبعنيات لتحديث قضاء اليمن، والسودان الذى أرسل بنيه من أهل الخبرة والدراية والعلم فى مجال القانون لدول الخليج دون استثناء لتأسيس أجهزتها العدلية ولايزالون يؤدون دورا رائدا في تلك البلدان، السودان العامر بأهل القانون هل يحتاج لبضع (خواجات) يعلمونه كيف ترسم القوانين وتجرى المحاكمات لمن أفسد؟ لا أصدق أنهم حضروا لذلك والأجواء السياسية واعترافات المسؤولين على مستوى القادة أنهم قد أخذوا كرها (وكراعم فوق رقبتم) لتوقيع الإتفاق الاطارى، تشير أنهم إنما حضروا ليتاكدوا من تجهيز الملعب لصراع سياسى جديد، والمؤشر الذى يؤكد ما ذهبت إليه التصريح المنسوب ل (القانونى) بقوى الحرية والتغيير التاج اسماعيل، وأورد تصريحه نصا ( نحتاج إلى إبعاد السلطة القضائية عن مهام عمل لجنة إزالة التمكين وان لا يكون لها دورا أساسيا فى الإستئنافات) ، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا إبعاد السلطة القضائية؟ ربما يكون الجواب لأنها ألغت قرارات لجنة إزالة التمكين السابقة، وهل إطلع (مولانا) التاج على الأحكام القضائية ليعرف لماذا الغيت قرارات اللجنة؟ وقد قيل إن صاحب التصريح قاض سابق بالسلطة القضائية.

ألا يدرى هذا القاضى أن حق التقاضى حق دستورى وان كافة الدساتير السابقة قد نصت عليه ؟ وأن ميثاق حقوق الإنسان ينص على أن يحاكم الإنسان أمام قاضيه الطبيعى؟ ثم ألا يعلم هذا القانونى أن هنالك ما يسمى بمبادئ المحاكمة العادلة؟ وان قرارات لجنة إزالة التمكين قد ألغيت من قبل القضاء لأنها انتهكت كل تلك المبادئ؟ هل يعقل أن تدين إنسان وتحكم بفساده وتفصله من الخدمة وانت لم تستدعه لتساله حتى عن اسمه؟ دعك من أن تطلعه على البينات التى قدمت ضده ومن ثم تمنحه حق الدفاع عن نفسه. اعلم ان غبارا كثيفا قد أثير حول القاضى الذى ترأس الدائرة التى ألغت قرارات اللجنة، لكن غبار السياسيين سينجلى وسيكتب إسم هذا القاضى ورفاقه بأحرف من نور فى سجل تاريخنا القضائى لأنه لم يهاب ولم يرتجف من سيف اللجنة ولم تؤثر عليه محكمة الرأى العام، بل ثبت كالطود الاشم وسيبقى هكذا فى سجلات القضاء. ربما قال قائل أن محاكمة الفاسدين وفقا للطرق التقليدية من تكليف الإتهام بإثبات البينات قد لا يكون فعالا لأن أعوان النظام السابق قد اتلفوا المستندات وابادوا كل ما يمكن أن يقدم ضدهم. وأرى أن هذه الحجة تدعمها محاولات النظام السابق والذى فى حالة نقاء ثورى وقبل التلبس بشهوات الحكم والثروة قد استن قانونا سماه قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989، يكفى فى ظل هذا القانون أن تحضر قوائم بممتلكات المتهم وامواله ثم تسأله من أين لك هذا؟ فإن قدم دليلا مقنعا على مشروعية مصدر ثروته اخليت سبيله وإلا أخذته بأحكام القانون.

عودا على بدء إذا كانت اللجنة جادة فى محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين بحق ووفقا لمبادئ المحاكمة العادلة ستجدون الشعب السودانى أمامكم وخلفكم يقاتل لتبلغوا تلك الغاية، وإذا كانت تريد إتخاذ إزالة التمكين مطية لمحاربة فصيل سياسى، فهم بذلك يقودون البلاد نحو التشظى والفقر وداومة الحروب.

هل إطلع أعضاء لجنة تمكين الاستبداد على الآثار الإقتصادية لمصادرات نظام مايوا؟ وهل يعلمون عدد الشركات والبنوك التى غادرت البلاد بعد تلك القرارات؟

أنا على يقين أن الضرر الذى يصيب الأفراد يمكن جبره وتجاوزه مع دوران عجلة الأيام ، فقد عوضت حكومات النميرى والبشير المتضررين من جيب الشعب السودانى المغلوب على أمره، ولكن الخراب الذى يضرب مفاصل الاقتصاد من هكذا قرارات سيبقى أثره بائنا على جسد الوطن لسنوات ممتدة، وتقع علينا جميعا بمختلف ميولنا السياسية مسؤولية المحافظة على إحتكام بلادنا إلى أسس قانونية حيادية راسخة بعيدا عن عبث الخروج على أحكام القانون فى كل الأنظمة والعهود.

Comments (0)
Add Comment