*🔴في ما أرى*
*✒️عادل الباز*🔹* في مسرح التفكيك من يسمع غريتا؟*
*مشهد أول*
توقعت أن يخرج مؤتمر تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بتوصيات تستمد عبرتها من الدورس التي تعلمتها من التجربة الأولى للجنة التفكيك والتي أضرت بسمعة الثورة وسببت لها من الكوارث ما لا يحصى….. ولكن للأسف جاءت أسوأ من سوء ظننا.
ترى لماذا حدث هذا؟ ولماذا تصر ثلة النشطاء على تكرار خطاياهم بأسوأ مما فعلوا في المرة الأولى؟ لماذا لم تعلمهم التجربة شيئاً ليقدموا أفضل منها.؟. تحيرت…ولكن حين نظرت للمشاركين والمحاضرين في القاعة (استسثني الخبيرة غريتا فيرتر، وبعض أهل القانون الكبار والأساتذة الذين شاركوا بمسؤولية ولكن ضاعت مداخلاتهم وأفكارهم وسط الهرج)، حين نظرت أدركت لحظتها انه ليس في مقدار النشطاء أن يقدموا أحسن مما فعلوا. فهم ذات شلة النشطاء مضافاً إليهم المهرجين والهتيفة الذين فاضت بهم القاعة حشدوا ليصفقوا لكل هراء قيل.
كان الأمل أن ينحصر النقاش بين مجموعة من الخبراء في مجال القانون و تفكيك الأنظمة وخبراء في معضلات الانتقال وأصحاب تجارب دولية سابقة في قضية تصفية الأنظمة السابقة ولكن هيهات، ما جرى أن المسئولين من ارتكاب ذات الحماقات في لجنة التفكيك الأولى (ينقصهم سيء الذكر مناع) كانوا في الصفوف الأولى مضافاً إليهم ذات المطبلين لبطولات اللجنة السابقة وهم الذين تم حشدهم في سيرك المهرجين بمسرح قاعة الصداقة.
قبل كل شيء انظروا لهذه الفقرة الجميلة في البيان الختامي (يجب أن يتم التفكيك وفق إستراتيجية جديدة وهيكل جديد وتطوير للقانون والإجراءات وبكفاءات وطنية قادرة ومؤهلة، وفق مبادئ سيادة حكم القانون والشفافية والعدالة.). يا ترى هل جاءت التوصيات لتؤكد هذه المبادئ أم انها كانت في وادي وتوصيات المؤتمر في وادٍ آخر…. سنرى وستعجبون من بيانٍ ختامي لمؤتمر لا يعبر عن توصياته وهذا أول الغيث.
*مشهد ثاني*
ثورة شعارها العدالة وقدمت الشهداء من أجل تلك الغاية يستدعي ناشطوها خبيرة دولية (غريتا فيتر) لتحدثهم عن قيم العدالة وأسسها وكيف ينبغي أن تكون وتحذرهم من مغبة اهدارها.. بالله شوف…. يقول ليك شعب معلم ! ولكن حسناً فعلوا لقد كانت أفضل من تحدث ونصح واهدت النشطاء عصارة خبرتها.. لو استمعوا لما قالت بعقل واعي كانت يمكن ان تهديهم كلماتها سبل الرشاد القانوني والسياسي والأخلاقي فيما هم مقدمون عليه ولكن يا للحسرة ظلوا هم، هم ذاتهم في ضلالهم يعهمون.!!.
بعد أن استمع القوم لغريتا فيتر مضوا وكأن في آذانهم وقرا، لينتجوا توصيات على العكس تماما مما نصحتهم به الخبيرة التي استجلبوها وقدمت محاضرتها في 12 يناير 2023 بقاعة الصداقة لمؤتمر تفكيك النظام السابق. كيف ذلك؟.
أدعوكم لأن تنظروا فيما قالته الخبيرة وتروا ما ورد في توصيات المؤتمر.
*مشهد ثالث*
قالت لهم الخبيرة غريتا (عليكم الالتزام بالعداله والقانون وتجنبوا الطرق القصيرة واستسهال الحلول.) ولكن جاءت أهم توصياتهم لتنسف أسس العدالة والقانون اقرأ ياهداك الله (إلغاء الأحكام الصادرة من الدائرة القضائية التي ألغت قرارات لجنة التفكيك وإعفاء قُضاة المحكمة العليا وإخضاع القُضاة الآخرين لعملية فحص وتدقيق).
توصية لم تكتف بانتهاك أسس العدالة، بل دعت للإطاحة بالقضاة أنفسهم.!!. الغاء الأحكام الصادرة من القضاء تعني إعادة تشريد أكثر من ثمانية عشر ألف من كوادر الخدمة المدنية التي فصلتهم اللجنة سيئة الذكر دون تحقق ودون تثبت بادعاء أنهم فلول، ومصادرة أموال وممتلكات المئات التي استولت اللجنة على أملاكهم ومنازلهم. يعني ذلك أيضاً إعادة المئات إلى سجون التفكيك بلا تهمة ولا أدنى بينات، فقط لأن لجنة سياسية مخبولة قد اشتبهت في انتمائهم للكيزان.!!
وبالرغم من أن الخبيرة أكدت في محاضرتها (أن عدم الالتزام بسيادة القانون لا يؤثر على عملية استرداد الأصول لوحدها بل سيدمر عملية التفكيك برمتها). تركوا نصيحة الخبيرة وراءهم وسعوا لنفث أحقادهم ضد خصومهم السياسيين ودون سند من قانون..
*مشهد رابع*
قالت لهم الخبيرة (إياكم والاستخفاف بحكم القانون واتخاذ الطرق القصيرة، يعني عملياً أنك عكس ما تريد تحقيقه من دولة القانون.) قالت لهم لاتستخفوا بالقانون، فإذا بهم ينسفونه نسفاً في توصياتهم متخذين أقصر الطرق بالفصل والتشريد بناء على اهواء سياسية، عامدين إلى التشهير بالناس والاساءة لسمعتهم دون أدنى وازع من ضمير أو قانون أو حتى عرف سوداني.
*مشهد خامس*
قالت غريتا فيتر (يجب إخطار المتهم بتهمته وتمكينه من الدفاع الكامل عن نفسه أو عبر محاميه.). وهيهات فلقد ورد في توصيات النشطاء أن المتهم مدان وحرامي وابن ستين كلب ويبقى أعواماً في الزنازين دون محاكمة. خمسة من ضباط الجيش العظام مكثوا ثلاثة سنوات داخل الزنازين دون أن توجه لهم تهمة.!!. أي والله.. وقضى المهندس الطيب بشير نحبه في الزنانة دون أن يعرف سبب زجه في السجن!! محامي شنو يا غريتا؟!!. هؤلاء لا يؤمنون بالقانون ولا قضاء ولا يحزنون، هؤلاء لديهم غبائن تاريخية واتتهم الفرصة لينفثوا عنها ولو كانت عاقبة أمرهم بواراً،.تلك تجربتهم السابقة ماثلة والآن يصرون على تكرارها بحسب توصياتهم في مشهد عجيب من الغباء السياسي والاجتماعي.
*مشهد سادس*
قالت لهم الخبيرة (أي إجراءات خارج حكم القانون يمكن نقضها قضائياً عاجلاً أم آجلاً.)
ولكن في مؤتمر التفكيك بقاعة الصداقة دعا الهتيفة لاتخاذ الشرعية الثورية منهجا وارتكاب أي فعل واتخاذ أي قرار خارج القانون وفصل القضاة أنفسهم حتى لا يكون هناك نقض لقرارت اللجنة الهوجاء عاجلاً أم آجلاً.
*مشهد سابع*
قالت غريتا فيتر (من أكبر الأخطاء التي أحذر منها هو إصدار تعليمات لمصادرة الممتلكات بشكل كبير، ورمي “المفسدين” في السجون لأنه ببساطة يمكن تحديه قانونياً)…. لقد سبق أن فعلوا ماحذرتهم منه وبالفعل تم تحدي قراراتهم فنسف القضاء كل ما ارتكبوا من موبقات ولكن الآن جاءت توصياتهم لتكرر مرة أخرى ذات الأخطاء وبأسوأ مما كان، إذ يعتزمون معاقبة القضاة بفصلهم من وظائفهم ليتم تسييس القضاء بالكامل لصالح ثلاثة أحزاب متشظية. ولكن هل يستكين القضاة هذه المرة؟. نشوف.
*مشهد ثامن*
قالت خبيرتهم (ما يوجد من قوانين يكفي و لا حاجة لقوانين جديدة)… وهاهم يسابقون الزمن لإصدار مزيدا من القوانين التي تهدر العدالة ولا تصون حقوق الانسان التي كتبوها بأيديهم في صدر الاتفاق الإطاري.
*مشهد تاسع*
قالت لهم الخبيرة لا فض فوهها (استمعتُ إلى كثير من التوصيات التي يبدو أنها خدّاعة أو غير أمينة، الغرض منها ” الترضية” لا أكثر و لا أقل وأحذر بشدة من تبني هذا التوجه). هذا هو تحذير الخبيرة للنشطاء في أمر التوصيات وهيهات أن تجد لها أذناً صاغية.
*مشهد عاشر*
(ما لم يكن يتوفر نظام قوي شفاف، استرداد مليارات الدولارات غير ذي جدوى لأنها ببساطه ستذهب لفاسدين جدد.).. ورأينا كيف ذهبت الأموال إلى فاسدين جدد بالفعل وانتهت إلى حيث لا حيث…(راجع ماجرى في ميكو ومنظمة الدعوة ودان فوديو وعشرات من المؤسسات التي استولوا على أموالها ولم تدخل الخزينة العامة بشهادة ثلاثة من الوزراء التي جاءت بهم الثورة وهم ليسوا بكيزان أو فلول.!!..
*مشهد أحد عشر*
جاء في التوصيات (تأسيس شرطة خاصة بلجنة إزالة التمكين.).. بعد أن يتم تعيين قضاة مسيسين من قبل نشطاء قحتكر لا بد من تأسيس شرطة خاصة .. للجنة إزالة التمكين… أي دولة داخل دولة لتستخدمها اللجنة الحزبية في تصفية الخصومات السياسية وقمع المعارضين المعرقلين للتحول الديمقراطي المزعوم الذين هم سدنته الوحيدون.
*مشهد اثنا عشر*
هذا المشهد هو أغرب ماجاء نص في البيان الختامي، اقرأ (طالب البيان الختامي للمؤتمر، بضرورة تثبيت أسس ومبادئ عملية تفكيك النظام الـسابق وفق المعايير الدولية وسيادة حكم القانون.). رغم كل ماذكر في التوصيات التي تهدر قيم ومعايير العدالة وسيادة حكم القانون دعا البيان الختامي لتثبيت أسس التفكيك على مبادئ وفق المعايير الدولية!!.. معقول نحن جنينا ولا عقولنا نصاح؟.!!. أي معايير تلك يا ترى ستصمد في ظل هذه التوصيات التي لا علاقة لها بعدالة في الأرض أو السماء. تصور إن هذه التوصيات بحسب البيان الختامي (جرت عملية صياغة التوصيات والمقررات بواسطة لجنة صياغة من خبراء مستقلين مثلوا غالبية عضويتها.) بالله ديل خبراء في شنو ومستقلين عن ايه؟
*مشهد ختامي*
وهو محزن…. إذ أنك حين تتذكر محنة أعضاء التفكيك حين زج بهم الانقلابيون حلفاءهم القدامى والجدد في دهاليز السجون ذاقوا وبال أمرهم وادركوا أن العدالة لا شيء ينبغي أن يعلو عليها. لقد أخذوا من منازلهم بصورة مهينة ومذلة وزجوا في دهاليز السجون بناء على تهم لم يعرف حقها من باطلها إذ أنهم لم يقدموا للعدالة وكان في ذلك اهدار كامل لحقوقهم، وقتها احتجوا وهاجوا من الظلم الذي حاق بهم وتذكروا شعار الجمهوريين العظيم والذى تنكروا له الآن (الحرية لنا ولسوانا) جراء الظلم الذي حاق بهم وقالوا إن هذا تسييس للعدالة وانكروا على الانقلابيين فعلتهم وكان معهم ألف حق. ولكن دائما ما تنتقم القيم من خائنيها.
هكذا كل من يلد المحن لابد يلولي صغارن…. وكانوا قد اهدروا العدالة في عهدهم وسعوا لتسييس القضاء والنيابة وحين دارت الدوائر وانقلب العسكر عليهم لم يجدوا عدالة ولا قضاء ولا شيء أي شيء. كان المتوقع أنه حين تؤول السلطة إليهم مجددا مسنودين ببنادق العسكر وإرهاب المجتمع الدولي أن يكونوا أكثر حرصا على العدالة جوهر الحكم الديمقراطي الإنساني الشفاف. لكن للأسف لم يتعلموا ويتعظوا مما جرى، وهيهات أن يفعلوا، ها هي التوصيات تصدر لتكرس ذات التجربة القميئة طامحين للعودة إلى الحكم مدججين بذات الأسلحة الصدئة التي ارتدت عليهم سابقا وسترتد عليهم مرة أخرى لأنها ستدور..أي والله ستدور في وقت أقصر مما يظنون.لتتاكد من ذلك أقرأ مقالنا المنشور الاسبوع الماضى ( تسوية تلد جثة).