السوق صار لا يرحم والراتب لا يفِ بالحال، تلك العبارة التي ختم بها الخبير التربوي الهادي السيد عثمان حديثه حول ما وصلت إليه العملية التعليمية في البلاد في ظل الإضراب الواسع الذي انتشر في جميع الولايات والتعديل الذي أجرته وزارة التربية والتعليم في التقويم الدراسي 2023 – 2022، يبدو أن الراهن الاقتصادي مليء بالتحديات التي لم تجد الحلول النهائية بغية إجراءات من المعالجات المؤقتة، في وقت تمسكت فيه لجنة المعلمين السودانيين بضرورة تحقيق مطالب مشروعة بتحسين الرواتب الشهرية تماشياً مع واقع الأسواق، لكن ربما رؤى الحكومة ممثلة في وزارة المالية غير ذلك، إذا ما قورن الأمر برفع الأجور في عهد حكومة عبدالله حمدوك الذي كان زيرة ماليتها الأسبق إبراهيم البدوي، حينما ضاعفت الأجور للعاملين بنسبة 536%، وقتها ارتفعت الأسعار بالأسواق، مما زادت من نسب التضخم في الاقتصاد بصورة لافتة، ورغم كل ذلك هل سيقابل إضراب المعلمين ردوداً حكومية لتحقيق مطالبهم غير تعطيل الدراسة..؟
وحول القضية التعليمية اسنتطقت (اليوم التالي) لجنة المعلمين وبعض الخبراء التربويين والاقتصاديين، للبحث عن صيغة تعدل بين مطالب المعلمين ومستقبل الاقتصاد الوطني، وجاء في حديث بعض الاقتصاديين أنه لا يمكن لوزارة المالية أن تستجيب لمطالب المعلمين المتعلقة بزيادة الراتب خشية أن يتبعها تدهور اقتصادي، وبالتالي تؤثر على (قفة الملاح)، ويرى البعض أن وزارة المالية في إطار التزامها الصارم بالسياسات النقدية الانكماشية التي تهدف لتخفيض التضخم في السودان إلى حوالي 25% هبوطاً من 88% بأنها لا ترغب في زيادة المرتبات إلى مستويات تؤثر على سياساتها النقدية.
عصف بالعام الدراسي
أكد ممثل لجنة المعلمين سامي الباقر أن تغيير التقويم الدراسي جاء نتيجة للإضراب، وقال: ينظر المعلمون لهذا الأمر كهروب للأمام، فإن كانت الحكومة تحاول أن تأخذ فرصة لحل مشكلة المعلمين فهذا أمر جيد، وتابع: أما إن كانت تحاول كسب الوقت لإيجاد حيل لكسر الإضراب فهذه خطوة غير محسوبة العواقب وربما عصفت بالعام الدراسي، مبيناً في حديثه لـ(اليوم التالي) أنهم رفعوا المطالب للدولة وينتتظرون ردها، في الوقت نفسه استبعد عدم قدرة الدولة لتحقيق المطالب لطالما قادرة على أن تصرف على جهات كثيرة صرف من لا يخشى الفقر، وأوضح: على مستوى القضايا فلا مناص من تلبيتها.
تحسين المنظومة التعليمية
قال الخبير التربوي الهادي السيد عثمان بالنسبة للإضراب لقد استندت الوزارة على المادة التي تتيح لها الإغلاق والتأجيل تفادياً لإضراب المعلمين الذي انتشر في جميع مدارس البلاد الذي وصفه وصل بنسبة كبيرة مما يعرقل سير التقويم الذي حددته الوزارة في نهاية العام وإجراء امتحانات حسب التقويم، ويعتقد أنه ليس بالحل لقضايا المعلمين التي نادوا بها ومن أجلها توقفوا عن عملهم كما أنهم لم يطالبوا بعطلة، بل طالبوا بتحسين المنظومة التعليمية ومعالجة كافة مشاكلها، ويشير بداية بميزانية التعليم نفسه لرفعها إلى 20% حتى تتحسن شؤون التعليم من كتاب وإجلاس وبيئة وغيرها من راتب يفي بمتطلبات المعلم نفسه وأسرته بحيث تعينهم لتلبية احتياجاتهم نسبة لما وصل إليه السوق من ارتفاع، وبالتالي هي تساوي منصرف أسبوع واحد وليس لهم دوام آخر، وبرأ الهادي المعلمين عبر إفادته لـ(اليوم التالي) من أي عمل سياسي وبالتالي أمرهم لا يحتاج إلى جدل، بل مطلبهم يبرر غرض إضرابهم، ولا يتيح مجالاً لشك آخر، وحدد راتب المعلم المعاشي ما زال 12 ألف جنيه رغم عطائه وفناء عمره لخدمة الوطن.
لجأ لحق مشروع
نوه الهادي إلى أن العطلة في هذا الوقت الذي انتشرت فيه المخدرات بأنه أمر خطير نسبة لفراغ الطلاب، وأكد أن الفراغ مفسدة، مشيراً إلى أن المستشفيات امتلأت بالكبار والصغار خاصة أن علاج الإدمان الواحد بلغ ما بين 600 إلى 700 ألف جنيه، وأضاف أن مطالب المعلمين باقية إلى أن تنظر فيها وزارة المالية بعين العطف على حالهم التي بلغت ما بلغت، وحمل الدولة مسؤولية حال المعلم الذي ظل يعمل طيلة حياته محتسباً الأمر، ويعتقد أن المعلم الآن لجأ لحق مشروع يقره القانون، وتابع قائلاً: إن وزارة المالية لديها سبل لمعالجة هذه المشكلة باعتبار أن التعليم نهضة وتنمية مستقبل البلاد، داعياً وزارة المالية للوقوف مع قضايا المعلم حتى تعود العملية التعليمية كما كانت من غير ارتفاع الأسواق، أما الآن السوق فصار لا يرحم والراتب لا يفي بالحال.
خصماً على المعلم
يرى المستشار الاقتصادي الشاذلي عبدالله أن بالنسبة لتعديل تقويم العام الدراسي من قبل وزارة التربية والتعليم هي مواصلة لانهيار التدهور الذي يحدث في الاقتصاد ككل خاصة الاستقرار السياسي الذي أثر على الاستقرار الاقتصادي وقال: الأخير تحته مجموعة من العناوين ومنها عنوان الخدمات وبالتالي في ظل العجز المزمن والمستمر ويعزز بعجز جديد ظهر في موازنة 2023، ويعتبر عبر إفادته لـ(اليوم التالي) أن هذا التأثير واضح بأنه لا يمكن الاستجابة لمطالب المعلمين إلا بمزيد من التضخم وبالتالي أي زيادة في رواتب المعلمين تتبعها زيادة في الرسوم الدراسية وتتبعها كذلك زيادة في التدهور الاقتصادي وبالتالي تفضي إلى تدهور معاش الناس من خلال تأثيرها على (قفة الملاح)، وبالتالي تكون خصماً على المعلم نفسه لذلك هي حلقة مفرغة في الاقتصاد، ويعتقد المستشار الاقتصادي أن هذا نتاج واضح لعدم وجود موارد حقيقية لمقابلة الإنفاق الحكومي المترتب عليه عدم وجود أي أولويات من الحكومة الحالية لمحور الخدمات في الموازنة خاصة أن التعليم يندرج تحت الخدمات.
تزايد الإضرابات المطلبية
بحسب المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب يصعب الجزم بوجود علاقة بين تعديل العام الدراسي في ولاية الخرطوم بإعطاء إجازة للمدارس لمدة أسبوعين وبين إضراب المعلمين، لكنه قال في حديثه لـ(اليوم التالي) إن وزارة المالية في إطار التزامها الصارم بالسياسات النقدية الانكماشية التي تهدف لتخفيض التضخم في السودان إلى حوالي 25% هبوطاً من 88% بأنها لا ترغب في زيادة المرتبات إلى مستويات تؤثر على سياساتها النقدية، مبيناً أن إيراداتها الحقيقية لا تسمح بذلك إلا إذا استدانت من بنك السودان، مشيراً: بينما هي لا ترغب في الاستدانة من بنك السودان أكثر من 15% لكي تحقق هدفها الأساسي أي تخفيض التضخم، وقطع في الوقت ذاته بأن سياساتها النقدية الانكماشية ستؤدي إلى زيادة الفقر وركود الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة وتزايد الإضرابات المطلبية مدفوعة بجهود التحالف الجذري لتقويض الحكومة، فضلاً عن الظروف الاقتصادية القاسية التي يعاني منها غالب الشعب السوداني ومعظم العاملين في القطاع العام.