بقلم السفير: عبد المحمود عبد الحليم
إذا كانت تجارب الدول الخارجة من النزاعات تركز في الغالب الأعم على عنصر قسمة السلطة ومنح مناصب للوردات الحروب كتتويج لتسوية المنازعات بتركيز أقل على معالجة مسببات النزاع فإن منهج الأمم المتحدة في معالجة أو التعامل مع النزاعات معيب ومحتشد بالثقوب، وينطلق من قاعدة خاطئة وهي أن one size fits all. فما أن تبرز مشكلة أو نزاع يتم التفكير فوراً في عنصر حفظ السلام رغم أنه لا يوجد سلام أصلاً ليحفظ no peace to keep في تجاهل لما يمكن استغلاله من الآليات المحلية أو الإقليمية لمعالجة النزاع ويتم استنفار إدارة عمليات حفظ السلام التي أصبح الحصول على موارد وعملة صعبة لجيوش دولها المشاركة والمساهمة بقوات_ troop contributing countries مبتغى أساسياً.. ونادراً ما تحقق الحل لهذه النزاعات عبر بعثات حفظ السلام حسبما تفيد بذلك قراءة تجارب الأمم المتحدة.. وفي الكونغو الديمقراطية لا تزال البلاد موبوءة بقوات حفظ السلام منذ استقلالها أوائل الستينيات حتى الآن، بل تعددت طوال هذه الفترة قصص نهب الثروات بمشاركة عناصر حفظ السلام هذه بالإضافة لظواهر العنف الجنساني والاغتصاب وانتشار الجرائم.. عدم اعتبار السياقات المحلية وتجاوزها يظهر أيضاً في موضوع إصلاح القطاع الأمني والعسكري.. فما أن تظهر مشكلة أو نزاع إلا تم الإتيان بهذا المفهوم الذي أصبح أحد وسائل خدمة مصالح الدول الغربية وتكتيكات الحصول عليها.. فمفهوم إصلاح القطاع الأمني والعسكري ظهر خلال فترة انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور وميلاد دول كثيرة من رحمه وكان هدف الدول الغربية أولاً حماية لأمنها تغيير عقيدة جيوش تلك الدول التي كانت خلال وجود الاتحاد السوفيتي anti western واستخدام مفهوم إصلاح القطاع الأمني والعسكري في إطار التوجه الإصلاحي نحو دمقرطة تلك الدول.. في السودان أتوا بالمفهوم وواضح أن لكل من اللاعبين الأساسيين مفهومه، بينما يتأرجح موقف الغربيين وعلى نحو جعلهم الآن في موقف المؤيد لموقف من كانوا يصفونهم بالأمس بالجنجويد.. في تجاوز أيضاً للسياقات المحلية المرتبطة بنشوء ودور وتاريخ الجيش السوداني.. لا يخفى كذلك أنه بعد الإطاحة بالنظام السابق تلاحظت ضغوط غربية على منظومة صناعاته العسكرية التي كان مجمع اليرموك فيها قد تعرض لغارة جوية في السابق كما تلاحظ أيضاً ومؤخراً اختفاء موقع بيانات المبيعات الخارجية، بينما يربط مراقبون توجس الغربيين من صناعات السودان الدفاعية ورغبتهم في تحجيمها بقرار مجلس الأمن الخاص بحظر السلاح إلى دارفور وإنشاء فريق خبراء لمساعدة لجنة العقوبات بموجب القرار ١٥٩١ .. ولذلك ربط عديدون مسألة إصلاح القطاع الأمني والعسكري بهذه الخلفيات والمخاوف.. إن عملية إحداث دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني التي يصر على أولويتها المكون العسكري تراجعت في خلاصات ورشة إصلاح القطاع الأمني والعسكري، ولم تعد عنواناً بارزاً، بينما كان الفريق البرهان في تصريح سابق قد ربط بين الدمج ومواصلة دعمه للإطاري في وقت قال فيه فولكر إن الدمج ربما يستغرق خمس سنوات وأكثر أي أكثر من المدة التي أخذتها عملية الدمج لقوات نظام الأبارتيد العنصري في جنوب أفريقيا وقوات المؤتمر الوطني الأفريقى حزب مانديلا والقوات الأخرى هناك.. إن عملية إصلاح القطاع الأمني والعسكري ليست فقط دمجاً، وإنما عملية معقدة ومتكاملة فصلها قرار مجلس الأمن ٢١٥١ لعام ٢٠١٤ وعناصره العشرين وأهمها الملكية الوطنية والسياق المحلي والمطلوبات الوطنية التي قد يتم السعي لتوفيرها على مستوى ثنائي حيث لاحظنا حساسية وتخوف كبير من جانب الدول المعنية لإمكانات اختراق سيادتها الوطنية كما أن عملية الإصلاح تشمل المؤسسات الشرطية والعدلية والجنائية والجمركية والتشريعية لجهة إحداث التناغم والقراءة من كتاب واحد تحقيقاً للطموحات الوطنية… ويبدو بقراءة لتجربتنا أن كل من لاعبينا المحليين و(الشركاء) الغربيين قد تمترس خلف ما يروق له من عناصر الـ SSR تلك في سياق موقفه السياسي من التطورات.. وهذا يقودنا لما بدأنا به وهو رهانات الأمم المتحدة المتجاوزة للسياقات المحلية وإصرارها أن المقاس الواحد يصلح للجميع.. وبهذا يصبح تدخلها في مسألة إصلاح القطاع الأمني مشكلة في حد ذاته بدلاً أن يكون أحد عناصر الحل..
هنالك تجارب أكثر صعوبة من حالة السودان حدث فيها الدمج وخلق جيش واحد وموحد بما في ذلك حالة جنوب أفريقيا رغم اختلاف السياقات والخلفيات. فخلال مراحل تعافي جنوب أفريقيا بعد إنهاء النظام العنصري عام ١٩٩٤ ومباحثات الانتقال المعروفة باالكودسا أفلحت لجنة عسكرية في دمج عدة جيوش بعقائد مختلفة وهي جيش النظام العنصري الذي ظل سائداً منذ عام ١٩١٢ وجيش رمح الأمة التابع لحزب مانديلا المؤتمر الوطني الأفريقى وجيش تحرير أزانيا وقوات المعازل البانتوستانية وقوات الحماية للكوازولولاند.. خمسة جيوش تم دمجها بسبب توفر الرغبة السياسية.