لا يخفى على أحد اهتمام الولايات المتحدة بالسودان من خلال دعمها العملية السياسية الجارية الآن بين أطراف الأزمة (عسكريين ومدنيين)، بهدف صنع انتقال مدني وتحول ديمقراطي، وذلك من أجل حماية مصالحها الممتدة في المنطقة الأفريقية بخاصة مع الوجود الروسي والصيني المتغلغل بالقارة.
وكانت واشنطن كثفت جهودها مع الأطراف السودانية عقب انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ضد السلطة المدنية، والتي توجت بما يسمى الوساطة الأميركية – السعودية، ثم تحركاتها بدفع العملية السياسية من خلال الآلية الرباعية التي تجمع الولايات المتحدة بإنجلترا والسعودية والإمارات.
وظلت مساعي واشنطن حاضرة كلما اصطدمت مراحل العملية السياسية بعراقيل، وفي هذا السياق أجرت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي فيي في 6 أبريل (نيسان)، اتصالين منفصلين مع نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ومتحدث العملية السياسية خالد عمر يوسف. وأكدت خلالهما دعم بلادها تطلعات الشعب السوداني للتحرك الآن نحو نقل السلطة إلى حكومة يقودها مدنيون، فضلاً عن تقديم دعم أميركي قوي ودعوة لاتخاذ إجراء سوداني سريع لإكمال الرحلة الطويلة لاستعادة الانتقال الديمقراطي، بحسب بيان للسفارة الأميركية بالخرطوم.
وذكر حميدتي في تغريدة له “تلقيت اتصالاً هاتفياً من مساعدة وزير الخارجية الأميركي مولي فيي، حيث أكدت لها أن العملية السياسية التي نعكف عليها الآن تمثل فرصة نادرة لاستعادة مسار الثورة، بل هي خطوة ضرورية لتنفيذ وعدنا الذي قطعناه لشعبنا وصولاً إلى انتقال ديمقراطي حقيقي”.
وقال متحدث العملية السياسية خالد عمر في تغريدة له “تلقيت اتصالاً هاتفياً من مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية. وأكدت خلاله دعم الولايات المتحدة العملية السياسية الجارية التي أسست على الاتفاق الإطاري، حيث أعربت المسؤولة الأميركية عن استعداد بلادها للانخراط الإيجابي مع كل الأطراف المدنية والعسكرية لتجاوز التحديات المحدودة المتبقية للوصول إلى اتفاق سياسي نهائي في أسرع فرصة”.
وأردف عمر “تقدمت بالشكر للدور الإيجابي للولايات المتحدة المنفرد ومن خلال الآلية الرباعية. وأكدت لها توفر الإرادة لدى جميع الأطراف للوصول إلى الاتفاق النهائي في وقت وجيز، فضلاً عن ترحيبنا بمساندة واشنطن لتجاوز العقبات المتبقية، وتطلعنا لدعم الحكومة الانتقالية القادمة من أجل تمكينها من أداء مهامها العاجلة على الوجه الأمثل”.
لكن ما رسالة واشنطن المستمرة لأطراف العملية السياسية في السودان، وما الذي تخشاه في هذا الشأن؟
لاعب محوري
يوضح أمين الشؤون الخارجية في المؤتمر السوداني فؤاد عثمان أن “الولايات المتحدة تمثل أحد الفاعلين الدوليين الرئيسين الداعمين للعملية السياسية الجارية الآن، وتتمثل جهودها ضمن الآلية الرباعية التي تضم واشنطن ولندن والسعودية والإمارات، وكذلك الآلية الثلاثية التي تشمل بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم والاتحاد الأفريقي ومنظمة الـ”إيغاد”، فأميركا منذ انقلاب 25 أكتوبر أعلنت بوضوح أنها ضد تسلم العسكر السلطة، ومع التحول المدني الديمقراطي وتكوين حكومة مدنية ذات صدقية”.
وأضاف عثمان “معلوم أن تحالف قوى الحرية والتغيير كان قد حدد في فبراير (شباط) 2022 ثلاث وسائل لإنهاء الانقلاب، تتضمن الحراك السلمي عبر الشارع، وضمان تأييد المجتمع الدولي لعزل الانقلاب واعتماد العملية السياسية، بالتالي تحرك هذا التحالف مع الفاعلين الدوليين والإقليميين ومن ضمنهم واشنطن، باعتبارها لاعباً مهماً ومحورياً لإيجاد حل سياسي ينهي الانقلاب كأمر واقع، لكن الولايات المتحدة تعلم أن هناك صعوبات جمة ومعوقات تعتري الجهود المبذولة في إطار العملية السياسية، مما يجعلها على صلة ومتابعة لصيقة مع الأطراف ذات العلاقة من عسكريين ومدنيين لتذليل العقبات والتحديات الماثلة ودفع العملية السياسية نحو الأمام”.
تجاوز التباينات
ويمضي عثمان في القول “كما هو معروف فإن الاتفاق الإطاري الذي وقع في 5 ديسمبر (كانون الأول) بين مجموعة من القوى المدنية والعسكريين أجل البت في خمس قضايا لمزيد من النقاش مع أهل المصلحة من أجل الوصول إلى توافق حولها، من بينها مسألة الإصلاح الأمني والعسكري، والتي حدث فيها تباين واضح بين الجيش وقوات الدعم السريع حول بعض المواضيع الفنية المتعلقة بالدمج وهياكل القيادة، الأمر الذي أدى إلى تأجيل التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي في الموعد المضروب في 6 أبريل، لذلك جاءت تحركات واشنطن ممثلة في اتصالات مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مع أطراف العملية السياسية، لحثها على تجاوز ما تبقى من تباينات، وإعلان دعمها الكامل لهذه العملية للوصول إلى اتفاق نهائي”.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل “من الطبيعي أن تبحث أية دولة عن مصالحها في إطار العلاقات الثنائية، ومؤكد أن موقع السودان الجيوسياسي المهم وإطلاله على البحر الأحمر بساحل يمتد نحو 670 كيلومتراً، ومجاورته عدداً من الدول التي تتداخل فيها بعض الملفات المهمة، يجعل واشنطن تحرص على إقامة علاقات متميزة مع الخرطوم، وأن تكثف جهودها لإحداث استقرار سياسي فيها عنوانه الحكم المدني”.
تسهيلات الخارج
الباحث في الشؤون السياسية الحاج حمد يقول “في تقديري أن أي جهود تبذل من الخارج تؤكد أن العلاقة بين الشركاء ضعيفة، وأن النقاشات بينهم تسير في اتجاه الحد الأدنى للتوافق، وهذا ما يحدث الآن بين الأطراف السودانية عسكرية ومدنية، فالواقع يشير إلى حقيقة أساسية هي أن تلك الأطراف تعتمد في كل خطوة، صغيرة كانت أم كبيرة، على تسهيل وتيسير من المجتمع الدولي، ففي البداية كان العسكريون ينادون بتوافق المدنيين وحالياً أصبح الأمر على العكس، إذ اشتد الخلاف والصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع”.
وزاد حمد “في ما يتعلق بواشنطن وتحركاتها في البلاد، فإن السياسة الدولية لأية دولة فيها كثير من الرياء وكذلك الجدية، فالرياء واضح في الانقسام داخل البيت الأميركي، وبينما أقرت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي فرض عقوبات على الأشخاص المعرقلين للتحول الديمقراطي في السودان مما يعني دق أجراس الخطر حول الوضع الراهن والذي قد يؤدي إلى عدم استقرار القارة بأكملها، نجد أن لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ التي يسيطر عليها اللوبي اليهودي تنطلق مرتكزاتها ومصالحها باتجاه ما يسمى الحرب على الإرهاب”.
وانتهى الباحث في الشؤون السياسية إلى القول إن “الولايات المتحدة حققت مصالحها في السودان خلال فترة نظام الرئيس السابق عمر البشير، والآن تريد حكومة سودانية تعترف بهذا الواقع، بمعنى أن تواصل من حيث وقف نظام البشير، لكن اللوبي اليهودي فرض على واشنطن أن تكون إسرائيل ضمن الشراكة الدولية في الأحداث السودانية، وهو العامل الرئيس في ما يحدث من عرقلة لمسار العملية السياسية، وفي المقابل لم يأت سياسيون سودانيون يستفيدون من هذا التناقض بخلق مشروع وطني”.
مراحل الأزمة
وكانت قوى الحرية والتغيير أعلنت في وقت سابق إرجاء توقيع الاتفاق السياسي النهائي بين الأطراف السودانية، الذي كان مقرراً في السادس من أبريل، بسبب عدم حسم خلافات حول دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش.
ومنذ 8 يناير (كانون الثاني) انطلقت عملية سياسية بين الموقعين على الاتفاق الإطاري وهم مجلس السيادة العسكري الحاكم وقوى مدنية أبرزها تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، للتوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية بالبلاد.
وتهدف العملية السياسية الجارية إلى حل أزمة ممتدة منذ 25 أكتوبر، حين فرض قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان الطوارئ، وهو مما اعتبره الشارع السوداني انقلاباً عسكرياً قاد إلى تظاهرات حصدت 127 قتيلاً وآلاف المصابين.
وقبل هذه الإجراءات بدأت بالسودان في 21 أغسطس (آب) 2019 مرحلة انتقالية كان مقرراً أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 3 أكتوبر 2020.