مدير الصحة بكسلا: سوء التغذية الحاد أو (التقزم) من التحديات التي تواجه الولاية
اختصاصي أطفال: التقزم يتسبب في اختلال معدلات الذكاء والإصابة بالإعاقة
أمين مجلس رعاية الطفولة بكسلا: ارتفاع معدلات الفقر بالولاية أحد أسباب التقزم
تحقيق: أحمد بامنت
مشاهد وصور يندي لها جبين الإنسانية، صور تكشف عدم مبالاة الإنسان لأخيه الإنسان، مشاهد تحكي كل معاني العوز والفقر والمعاناة، صور مأساوية هذه الصور والمشاهد ليست في بلد أنهكته الحروب، إنها هنا في السودان في هذا البلد الذي نتغنى به ونفخر ونقول: (حتى الطير يجبيها جوعان من أطراف تقيها شبع).. هذه الصور ليست في أصقاع السودان، إنها من ولاية كسلا حيث الخضرة والجمال ومن قلب المدينة ومن داخل مستشفى كسلا التعليمي الذي يقبع على مرمى حجر من سوق المدينة، صورة متكررة تقع على بصر كل عابر أمام المستشفى مشهد لعدد من نساء المنطقة وهن يحملن أطفالهن يظهر عليهم وعليهن الضعف والهزال، ضعفٌ لا يقوى على حمل أجسادهن النحيلة، ناهيك عن حمل أطفالهن الأضعف، فلا يستطِعن إشباعهم وإرضاعهم.. إنه الفقر والعوز الذي لم يجعلهن قادرات على توفير لوازم التغذية الكافية من لبن الأم مما أدى الى عدم تغذية أطفالهن وإشباعهم بما يتطلب من تغذية وبناء أجسادهم بما يكفي من الغذاء لوقايتهم من الأمراض وتحديداً من خطر سوء التغذية الحاد وأمراض الطفولة على وجه العموم..
(ح .ع .م) واحدة من مئات النساء تشكو أن ابنها (علي) الذي لم يتجاوز عامه الخامس يعاني من سوء التغذية الحاد الذي نجمت عنه صعوبات جمة وجعله عرضة لحالات متلازمة من الالتهابات والأمراض وذلك على حد ما أخبرها الأطباء.
ويقول الدكتور محمد إبراهيم اختصاصي الاطفال لـ(اليوم التالي): إن سوء التغذية يتسبب في العديد من المشكلات الصحية أبرزها عدم نمو الأطفال بالشكل الصحيح وقال إن سوء التغذية عادة ما يتأثر به الأطفال نتيجة لعدم حصولهم على لوازم التغذية الكافية من لبن الأم ووسائل التغذية الأخرى التي يحتاجها الجسم للنمو والبناء بما يقيهم من الأمراض وأضاف: من العوامل الأساسية التي تؤدي الى سوء التغذية لدى الأطفال هو الفقر وأردف: معلوم أن الفقر يحول وعدم قدرة الفرد على الحصول على حاجته من الموارد الكافية التي تلبي نفقات احتياجاته لأغراض المعيشة، بمعنى آخر، الفقر هو المهدد الوحيد لحياة الإنسان ويتسبب له في عدد من الأمراض المستعصية التي تؤثر سلباً على حياة العديد من الأسر والمجتمعات والأفراد وينجم عنه الإصابة بمرض التقزم (حالة التقزم أو تأخر النمو).
وأبان محمد إبراهيم أن التقزم هو عبارة عن عدم توافق ما بين الطول والعمر للمصاب، بمعنى آخر يعرف التقزم بضعف أو اختلال نمو وتطور الأطفال وتراجع نموهم بشكل كبير مقارنة بالمعدلات الطبيعية لنمو الأطفال. لتحديد ما إذا كان الطفل يعاني من التقزم (أو تأخر النمو) تتم مقارنة نموه بمعدلات النمو الطبيعية الخاصة بالفئة العمرية التي يندرج تحتها الطفل. وأضاف: يحدث التقزم أو بما يعرف بتأخر النمو لأسباب عديدة تحدّد بواسطة ملاحظة الطبيب لهذه الحالة أو من خلال شكوى أهل الطفل وأردف: قائلاً من الممكن علاج بعض حالات التقزم ومساعدة الطفل على بلوغ طول أقرانه الطبيعيين أو مستوى قريباً منهم إذا اكتشفت الحالة مبكراً مشدداً على ضرورة مراجعة الطبيب عند ملاحظة تقزم الطفل حيث إنه من الممكن أن يكون إشارة إلى مشكلة صحية أخرى وأكد دكتور إبراهيم أن التقزم قد يتسبب في اختلال في معدلات الذكاء وقد يتسبب في الإصابة بالإعاقة في مراحل متقدمة وقد يؤدي للموت .
وأكد دكتور علي آدم مدير عام وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية بولاية كسلا لـ(اليوم التالي) على أن سوء التغذية الحاد أو (التقزم) من التحديات التي تواجه الولاية مبيناً أن ولاية كسلا بها مجموعة من المشاكل والتحديات الصحية والأمراض المستوطنة من ضمنها مشكلة التقزم التي ظلت تسجل تزايداً مستمراً وقال إنها بلغت أعلى مستوياتها في المسوحات التي تمت في الفترة الأخيرة إذ بلغت نسبة الـ46% مؤكداً أن هذه النسبة تعد من النسب المرتفعة جداً مبيناً أن مشكلة التقزم ناتجة عن مجموعة من العوامل منها عوامل صحية وعوامل اقتصادية (الفقر) واجتماعية وسوء التغذية.
وأشار د. علي الى درجة الوعي والتعليم خاصة تعليم البنات فضلاً عن العادات والتقاليد فيما يخص التغذية مما يؤثر في الإنجاب لدى الأمهات وأكد أن هذه العوامل مرتبطة مع بعضها البعض بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالذات المرض والفقر، وأكد أن التقزم وصمة في جبين المجتمع وأنه لا يقتصر على دور السلطات فحسب، فعلى المجتمع دور كبير في المساهمة في الحد من انتشار المرض مضيفاً أنه أمر معيب لكل شخص يتقدم مجتمع شرق السودان، وقال إن مشكلة التقزم مشكلة كبيرة يجب الوقوف عليها ومتابعتها بصورة جدية مناشداً كافة شرائح المجتمع للتضافر الجهود للقضاء عليها مشيراً الى جملة من التدخلات التي اتخذتها حكومة الولاية ممثلة في وزارة الصحة بالتعاون والتنسيق مع عدد من المنظمات الطوعية ووكالات الأمم المتحدة للحد من الانتشار.
فيما أشار أمين مجلس رعاية الطفولة ولاية كسلا عمر عثمان آدم الى أن نسبة انتشار مرض التقزم في الولاية ارتفع نتيجة لجملة من الأسباب أبرزها أسباب اقتصادية نتيجة لارتفاع معدلات الفقر بالولاية وهنالك أسباب ثقافية ناتجة عن ثقافة الغذاء ومدى ثقافة الأم في المرحلة الأولى من الحمل وعدم المتابعة الدورية للأطباء مما ينتج عنه خلل كامل لتغذية الأم فضلاً عن أسباب ناتجة عن الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد لدى مجتمع كسلا منها نظرة المجتمع والأهل والقبيلة للمرأة مما يؤدي الى نمو الجنين بصورة غير طبيعة لعدم المتابعة الدورية للأطباء مبيناً أن هنالك نتائج دراسات أجريت مؤخراً أشارت الى أن نسبة الفقر بولاية كسلا بلغت 46%. مشيراً الى تدخل عدد من المنظمات الطوعية لمعالجة الفقر في الولاية الأمر الذي انعكس في متغير طفيف في نسب التقزم إذا بلغ (42.8%) وأكد أمين مجلس رعاية الطفولة بكسلا أنه تم خلال الفترة الماضية سلسلة من التدابير والحملات الميدانية للوقوف على المشكلات التي شريحة الأطفال بولاية كسلا مشيرا ًالى أن مجلس رعاية الطفولة وبالتعاون مع الشركاء استطاع تنفيذ العديد من البرامج التوعوية بمختلف محليات الولاية.
وأضاف أن قضايا ومشكلات شريحة الأطفال كبيرة وتتطلب تضافر كل الجهود وقال إنها ليست قاصرة على مشكلة التقزم فحسب فهنالك زواج القاصرات وتشويه وبتر الأعضاء التناسلية للبنات وعمالة الأطفال مؤكداً أن الانتهاكات في حق الطفولة كثيرة ومتنوعة َتتطلب المزيد من الجهد وقال إن قضايا الطفولة ترتبط بصورة وأخرى بواقع الناس والظروف الاقتصادية التي تمر بالبلاد فضلاً عن بعض العادات والتقاليد.
وفيما يتعلق بالفقر التقت (اليوم التالي) بمدير مركز مفوضية الضمان الاجتماعي وخفض الفقر بولاية كسلا الأستاذة عوضية محمد أبكر محمد مدير المركز التي أكدت أن المشاكل الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية سببها الأساسي الفقر وذلك له مردود مباشر في ظهور مشكلة التقزم وسوء التغذية بشكل كبير في الولاية، وأشارت الى أن مؤشرات الانتشار لها عوامل عدة في الولاية منها عوامل طبيعية مثل الجفاف والفيضانات والسيول وهذه العوامل تؤثر تأثيراً مباشر في دخل الأسرة، وأشارت مدير المركز الى مجموعة من الخطط لوضع معالجة لخفض مشكلة الفقر منها التدريب ودعم الأسر الفقيرة (سبل كسب العيش) والدعم النقدي المباشر من مجموعة من المنظمات (اليونيسيف) والمركز حيث بلغت نسبة المستفيدين وأغلبهم من الحوامل في قطاعات الولاية المختلفة 31.959%. ومن ضمن الخطط عمل مسح دوري بالولاية للحصول على نسب حقيقية بالولاية. من المناطق المتأثرة بالولاية بمرض التقزم القطاع الشمالي بالولاية، وأكدت عوضية أن هنالك بشريات في العام 2023 لخفض نسبة الفقر بالولاية، كما وجهت الأستاذة عوضية بنصائح عامة عن تغيير السلوك في تردد الأم للمقابلات الدورية للأطباء والتوعية الغذائية والتثقيف الصحي.
يبدو من خلال البحث والتقصي الى أن مشكلة التقزم ذات أبعاد وجذور تتطلب وضع برنامج مشترك وتشبيك بين العديد من الجهات للتصدي لتلك المشكلة خاصة بشرق السودان ونأمل أن يضطلع المجتمع بدوره في هذا الجانب وعلى النخب والساسة من أبناء شرق السودان العمل الجاد لمواجهة تلك القضايا بدلاً عن التشاكس والصراع لحماية أطفال شرق والأمهات والسودان لينعم الجميل بخيرات هذا البلد المعطاء.