“خلافات” عسكريي السودان.. مخاوف بانسداد الأفق والعودة للمربع صفر

بين تحذيرات الجيش وقوات الدعم السريع، يقف السودان أمام منعطف خطير يثير المخاوف من عودة البلاد إلى المربع صفر، وانسداد الأفق السياسي.

التحذيرات التي أصدرها الجيش، سبقها بيان من قوات الدعم السريع، تنفي فيه جملة وتفصيلا ما وصفته بـ”مزاعم تحركاتها وقيامها بأعمال حربية في عدة مناطق بالبلاد”، لكن بيان القيادة العامة للجيش السوداني الذي صدر بعدها أكد أنه “لا دخان دون نار”، وأبرز “خلافا مكتوما”، حال تفجره سيقود البلاد إلى “صراع لا يحمد عقباه”.

وخلافا لما أكدته قوات الجيش السوداني ووسائل الإعلام السودانية، بشأن اعتراض قوة من الجيش السُوداني، على انتشار أعداد كبيرة من قوات للدعم السريع قُرب قاعدة جوية شمالي السودان، ومطالبتها بسرعة الانسحاب، يأتي بيان من قوات الدعم السريع ليغرد في سماء مختلفة، محاولا إبراز “الوفاق” و”التنسيق الشديد” بين الجانبين.

الدعم السريع أكد أن قيام قواته بأعمال حربية تجاه مطار مروي، هو مجرد “معلومات كاذبة ومضللة”، مشيرا إلى أنهم “قوات قومية تضطلع بعدد من المهام والواجبات الوطنية التي كفلها لها القانون، وهي تعمل بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة، وبقية القوات النظامية الأخرى، في تحركاتها”.

القوات أكدت كذلك أنها “تنتشر وتتنقل في كل أرجاء البلاد، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، ومحاربة ظواهر الاتجار بالبشر، والهجرة غير الشرعية، ومكافحة التهريب والمخدرات، والجريمة العابرة والتصدي لعصابات النهب المسلح أينما وجدت”.

لكن القوات أكدت في ذات البيان أن “وجودها، بالولاية الشمالية، وفي مدينة مروي على وجهة التحديد، يأتي ضمن وجودها في بقية الولايات، في إطار تأدية مهامها وواجباتها، التي تمتد حتى الصحراء”، وهو ما كان موضع اعتراض وخلاف مع الجيش السوداني الذي أكد أن هذه التحركات لا “تتم بتنسيق معه”.

“الدعم السريع” دعت في هذا الإطار جميع السودانيين، ووسائل الإعلام، إلى عدم الانسياق وراء ما سمته بـ”المعلومات الكاذبة”، التي تهدف إلى إشاعة الفتنة، وتقويض أمن واستقرار الوطن.

وحذّرت الجهات التي تعمل على “فبركة وترويج الشائعات وبثها، بأنها ستقوم بملاحقتها قانونياً، ولا مجاملة في أمن وسلامة الوطن”.

لكن بيان القيادة العامة للجيش السوداني، كان صادما في رده على “الدعم السريع” الذي أكد “عدم التنسيق بين الجانبين”، محذرا من “منعطف تاريخي وخطير تمر به البلاد، يرتبط بحشد الدعم السريع في الخرطوم وبعض المدن”.

وخلافا لما ذكرته قوات الدعم السريع بشأن تنسيقها التام مع الجيش، أكد الجيش، في بيان مصور ألقاه المتحدث باسمه، العميد ركن نبيل عبدالله، أن “تحركات قوات الدعم السريع تمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها مما أثار الهلع والخوف لدى المواطنين”.

لكن قيادة الجيش السوداني أكدت أن “محاولاتها لإيجاد الحلول السلمية لهذه التجاوزات لم تنقطع، حفاظا على الطمأنينة العامة وعدم الرغبة في نشوب صراع مسلح”، مجددة تمسكها بـ”ما تم التوافق عليه في دعم الانتقال السياسي، وفقا لما جاء في الاتفاق الإطاري”.

وحذرت القوى السياسية في السودان من مخاطر “المزايدة في مواقف القوات المسلحة الوطنية”.

وجددت القيادة العامة للجيش السوداني التزامها دستوريا وقانونيا بحفظ وصون أمن وسلامة البلاد، بمعاونة أجهزة الدولة المختلفة.

ودقت قوات الجيش ما سمته بـ”ناقوس الخطر”، محذرة من “مخاطر قيام قيادة قوات الدعم السريع بتحشيد القوات والانفتاح داخل العاصمة وبعض المدن”، مشددة مجددا على أن “هذه التحركات والانفتاحات تمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها”.

وكشف بيان الجيش السوداني مآل هذا الخلاف، حال تطوره بين الجانبين، مؤكدا أنه سيؤدي إلى “نشوب صراع مسلح يقضي على الأخضر واليابس”.

وحذر من أن “استمرار هذه الانفتاحات وإعادة تمركز القوات، سيؤدي حتما إلى المزيد من الانقسامات والتوترات التي ربما تقود إلى انفراط عقد الأمن بالبلاد”.

خلاف قوات الدعم السريع لم يكن فقط مع قوات الجيش، لكن ما أكدته وسائل إعلام سودانية مختلفة ومصادر محلية، من الولاية الشمالية، فإن شباب الولاية وخاصة منطقة مروي أغلقوا كوبري وميدانا بالمنطقة احتجاجا على تكثيف قوات الدعم السريع تواجدها بالمنطقة.

وأكدت المصادر ووسائل الإعلام أن الشباب رهنوا فك تجمعهم بإبعاد آليات الدعم السريع وأي مظهر عسكري في مروي عدا الجيش.

لكن المفاجأة كانت فيما كشفته ما تسمى بـ”تنسيقية لجان مروي”، عن شراء قوات الدعم السريع نحو ٢٥ فدانا مجاورة لمطار مروي، قالت التنسيقية والأهالي إنهم يسعون في استغلالها لإقامة “معسكر”.

لكن الهيئة الشعبية للشمال أكدت رفضها أي وجود لمعسكرات قوات الدعم السريع في الإقليم الشمالي تحت أي ذريعة أو مبرر وحذرت من المضي في تنفيذ فكرة إنشاء معسكر بالقرب من مطار مروي.

تأتي هذه التطورات في ظل استمرار الخلافات بين الجيش والدعم السريع حول الإصلاح الأمني والعسكري الذي تعذر التوصل لاتفاق حوله، وتزداد المخاوف من مواجهات مسلحة بين الطرفين في ظل الحشود والحشود المضادة بين الطرفين.

وشدد مسؤول عسكري، رفض ذكر اسمه، في تصريحات صحفية، على أن “قوات الجيش الموجودة في المنطقة، وضعت نفسها في حالة تأهب قصوى تحسبا لأي تطورات، في ظل رفض قوات الدعم السريع الانسحاب حتى الآن”.

وكانت التوترات عصفت بين قوات الجيش والدعم السريع في السودان حول بعض القضايا العالقة، بشأن الاتفاق السياسي النهائي بين القوى السياسية والجيش والدعم السريع.

وبحسب محلّلين فإن إصلاحات قطاع الأمن، وخصوصا دمج قوات الدعم السريع في الجيش، هي نقطة الخلاف الرئيسية بين البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” والذي يقود هذه القوات شبه العسكرية التي تشكلت في العام 2013 للقضاء على التمرّد في دارفور.

وارتبطت الخلافات حول ملف “دمج قوات الدعم السريع” وجدوله الزمني، حيث تجرى المفاوضات برعاية الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، إيقاد(.

وقالت المصادر إنه بينما يفضل الجيش السوداني جدولا زمنيا مدته عامان للاندماج، فيما اقترح وسطاء دوليون 5 سنوات بينما اقترحت قوات الدعم السريع 10 سنوات.

وكان من المقرر توقيع اتفاق نهائي يؤدي إلى حكومة مدنية الشهر الماضي وبدء انتقال جديد نحو الانتخابات، إلا أن الخلافات ظهرت في مارس/آذار الماضي حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهي خطوة تمت الدعوة إليها في الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ونص الاتفاق الإطاري على تأجيل النظر في بعض القضايا الحساسة، من بينها الإصلاح الأمني والعدالة الانتقالية، وإجراء المزيد من المناقشات حولها.

وسبق أن انسحب مندوبو الجيش والشرطة والمخابرات من المحادثات احتجاجا على عدم وجود أي جدول زمني للاندماج.

وكان من المقرر التوقيع على إعلان دستوري أكثر رسمية في 6 من أبريل/نيسان، مع حكومة مدنية من المقرر تسميتها في 11 أبريل/نيسان، إلا أن تأجيل الاتفاق، قد يرجئ تلك الخطط، بحسب مراقبين.

ورغم ذلك، فإن القوتين (الجيش وقوات الدعم السريع) قالتا في تصريحات بثت سابقا إنهما ملتزمتان بالمحادثات وتنتظران نتائج لجنة فنية تناقش تفاصيل الاندماج.

ويأتي هذا الخلاف في وقت تعكف فيه لجنة صياغة الدستور الانتقالي على تضمين التعديلات وملاحظات الأطراف وتوصيات مؤتمرات القضايا الخمسة في مسودة الدستور الانتقالي.

وكشف اللواء فضل الله برمة ناصر، رئيس حزب الأمة القومي، عن تبقي أيام قليلة للتوقيع على الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة، محذرا من العواقب الوخيمة للخلاف بين الجيش والدعم السريع على الأمن القومي.

ودعا لتوحيد الكلمة وجمع السلاح وإعاة بناء الوطن، والنأي عن المصالح الشخصية والحزبية، واصفا الوضع الأمني في البلاد بأنه “حرج للغاية مع انتشار خطاب الكراهية”.

ونوه إلى تلاقي الرغبة الدولية والشعبية في الخروج من النفق الذي تعيش فيه البلاد .

ومن بين جميع الأطراف السياسية، سواء المدنية مدنية أو العسكرية العسكرية لا تزال قيادات الحرية والتغيير المجلس المركزي تتمسك بالأمل والثقة المطلقة في انتصار الإرادة السياسية المتمثلة في إمكانية توقيع الاتفاق النهائي في وقت قريب رغم العثرات التي أدت إلى تأجيله عن موعده السابق.

Comments (0)
Add Comment