خليفة حسن بلة يكتب:
مَحْجُوبْ . . اَلْمَحْجُوبْ عَنْ اَلْمَظْرُوفِ
دَخَلَ أَحَدُهُمْ عَلَى اَلشَّيْخِ اَلْمَكَاشِفِىْ وَحَكَى لَهُ سُوءُ حَالَةٍ فَبَحَثَ اَلشَّيْخُ عَنْ مَا يُقَدِّمُهُ لَهُ وَلِمَا لَمْ يَجِدْ اِعْتَذَرَ لِضَيْفِهِ اَلَّذِي خَرَجَ مُنْكَسِرًا، غَيْرَ أَنَّ اَلشَّيْخَ وَبَعْد لَحَظَاتٍ وَجَدَ فِي جَيْبِهِ مَا يَفِي بِحَاجَةِ سَائِلَهُ فَأَرْسَلَ رُسُلُهُ لِيَأْتُوهُ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُمْ مَا وَجَدُوا لَهُ أَثَرًا فَإِذِدَادْ اَلشَّيْخِ أَسَفًا عَلَى أَسَفِهِ اَلْأَوَّلِ وَنَادِي اَلْمُقَرَّبُونَ مِنْهُ وَأَصْدَرَ أَمْرُهُ اَلَّذِي تَمَّ تَنْفِيذُهُ فَوْرًا، فَقَدْ قَضَى بِإِغْلَاقِ كُلِّ اَلْجُيُوبِ اَلَّتِي فِي جَلَابِيبهَ وَالْعَرَارِيقْ وَمَنْعَ تَفْصِيلِ أُخْرَيَاتِ وَبِهَا جُيُوبٌ وَقَدْ كَانَ..
وَمُنْذُ تِلْكَ اَللَّحْظَةِ كَانَ كُلُّ مَا لَدَيْهِ مِنْ مَالٍ لَا يَبْقَى عِنْدَهُ، بل يَذْهَبُ مُبَاشَرَةِ لِمُحْتَاجِهِ . . تَذَكَّرَتْ هَذَا وَأَنَا أُشَاهِدُ اَلْمَجْهُودُ اَلَّذِي بَذَلَهُ اَلسَّيِّدُ اَلنَّائِبُ اَلْأَوَّلُ لِرَئِيسِ اَلْجُمْهُورِيَّةِ اَلْأُسْتَاذُ عَلَى عُثْمَانْ مُحَمَّدْ طه وَهُوَ يَبْحَثُ عَنْ جَيْبٍ مَفْتُوحٍ فِي بَدْلَةِ أُسْتَاذِ اَلْأَجْيَالِ اَلصَّحَفِيَّ اَلْهَرَمَ مَحْجُوبْ مُحَمَّدْ صَالِحْ لِيَضَعَ فِيهِ مَظْرُوفًا _نَظُنُّهُ يَحْتَوِي عَلَى اَلتَّكْرِيمِ اَلْمَادِّيِّ- وَمَا وَجَدَ إِلَّا بَعْدَ بَحْثٍ اِسْتَمَرَّ لِحوالى دَقِيقَةِ.. وَالْقِصَّةُ هَكَذَا: اَلْمَكَانُ اَلْقَاعَةَ اَلدَّوْلِيَّةَ بِقَاعَةِ اَلصَّدَاقَةِ . . اَلزَّمَانُ مَسَاءَ يَوْمِ اَلْجُمْعَةِ 22 فَبْرَايِرَ 2013 م وَالْمُنَاسَبَةُ خِتَامَ فَعَّالِيَّاتِ جَائِزَةِ اَلطَّيِّبْ صَالِحْ اَلْعَالَمِيَّةِ لِلْإِبْدَاعِ اَلرِّوَائِيِّ فِي دَوْرَتِهَا اَلثَّالِثَةِ وَمِنْ اَلْمَعْلُومِ أَنَّهَا مِنْ تَنْظِيمِ شَرِكَةِ زَيْنْ لِلِاتِّصَالَاتِ وَاَلَّتِي تَشَرَّفَتْ بِتَكْرِيمِهَا لِلْأُسْتَاذِ اَلصُّحُفَ مَحْجُوبْ مُحَمَّدْ صَالِحْ . . يَجِدَ سِيَادَةَ اَلنَّائِبِ اَلْأَوَّلِ لِرَئِيسِ اَلْجُمْهُورِيَّةِ أَنَّ جَيْبَ بَدْلَةِ اَلْمُحْتَفَى بِهِ مُغْلَق مِمَّا تَطَلَّبَ مِنْ سِيَادَتِهِ جُهْدًا إِضَافِيًّا لِيَجِدَ مَكَانًا يَضَعُ فِيهِ اَلْمَظْرُوفُ . .الصورة هذه تليق بسيرة الْأُسْتَاذِ اَلَّذِي ظَلَّ قَابِضًا عَلَى جَمْرِ اَلصِّحَافَةِ ل 64 عَامًا . . كَانَ قَدْ حَاوَرَهُ اَلصَّحَفِيُّ إِسْمَاعِيلْ آدَمْ لِلشَّرْقِ اَلْأَوْسَطِ اَللَّنْدَنِيَّةِ وَنَشْرِ اَلْحِوَارِ يَوْمَ اَلسَّبْتِ 18 يُونْيُو 2005 اَلْعَدَدَ 9699 مُتَزَامِنًا مَعَ حُصُولِ اَلْأُسْتَاذِ عَلَى جَائِزَةِ اَلدِّفَاعِ عَنْ حُرِّيَّةِ اَلصِّحَافَةِ فِي اَلْمُؤْتَمَرِ اَلْعَالَمِيِّ لِلصُّحُفِ فِي سُيُولٍ فَأَجَابَ عَنْ سُؤَالِهِ لَهُ :
*مَتَى دَخَلَتْ عَالَمَ اَلصِّحَافَةِ ؟* *(دَخَلَتْ اَلصِّحَافَةُ فِي اَلْعَامِ 1949 ، كُنْتَ طَالِبًا فِي كُلِّيَّةِ اَلْآدَابِ « أَوَّلَ دُفْعَةٍ » أَحْضَرَ لِنَيْلِ دَرَجَةِ اَلْبَكَالُورْيُوس فِي جَامِعَةِ لَنْدَن ، وَاشْغَلْ مَنْصِبَ سِكْرِتِيرِ اِتِّحَادِ اَلطُّلَّابِ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ ، وَبَعْدُ تَنْظِيمِنَا وَخُرُوجِنَا فِي مُظَاهَرَةٍ ضِدَّ اَلْإِنْجِلِيزِ فُصِلَتْ مِنْ اَلْكُلِّيَّةِ أَنَا وَأَرْبَعَةٌ مِنْ زُمَلَائِي ، فَقَرَّرَتْ مُبَاشَرَةِ اَلدُّخُولَ إِلَى عَالَمِ اَلصِّحَافَةِ ، فَالْتَحَقَتْ بِصَحِيفَةٍ « سُودَانِ سِتَانْدَرْدْ » اَلصَّادِرَةِ بِاللُّغَةِ اَلْإِنْجِلِيزِيَّةِ ، وَوَجَدَتْ فِيهَا صَدِيقِي اَلرَّاحِلَ بَشِيرْ مُحَمَّدْ سَعِيدْ قَبَلِيٍّ بِأَرْبَعَةِ أَعْوَامِ فَتَزَامُلَنَا ، وَمِنْ بُعْدٍ اِقْتَرَحَ عَلِي بَشِيرْ أَنْ نَكُونَ صَحِيفَةً خَاصَّةً بِنَا فَاصَدَرْنَا صَحِيفَةً « اَلْأَيَّامِ » فِي اَلْعَامِ 1953 أَيْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامِ مِنْ اِلْتِحَاقِي بِالصِّحَافَةِ كَمِهْنَةٍ . )*
مُنْذُ سَنَوَاتِهِ اَلْأُولَى فِي اَلْمَرْحَلَةِ اَلْجَامِعِيَّةِ وَضَحَ اِنْتِبَاهِهِ لِلْعَمَلِ اَلْعَامِّ وَانْخَرَطَ فِيهِ فَفِي اَلْعَامِ 1948 م اُخْتِيرَ نَائِبًا لِسِكْرِتِيرِ اِتِّحَادِ طُلَّابِ جَامِعَةِ اَلْخُرْطُومِ ثُمَّ أَصْبَحَ سِكْرِتِيرًا عَامًّا لِلِاتِّحَادِ فِي اَلْعَامِ 1949 م ، وَفَصْل مِنْ اَلْجَامِعَةِ مَعَ رَئِيسِ اَلِاتِّحَادِ بِسَبَبِ اَلنَّشَاطِ اَلْوَطَنِيِّ ضِدَّ اَلْحُكْمِ اَلْبِرِيطَانِيِّ . نَالَ زَمَالَةً دَاجْ هَمْرِشُولْدْ لِلْإِعْلَامِ فِي اَلْعَامِ 1959 م ، وَمَنَحَتْهُ جَامِعَةُ اَلْأَحْفَادِ اَلدُّكْتُورَاه اَلْفَخْرِيَّةِ وَهُوَ عُضْوُ مُؤَسِّسٍ فِي اِتِّحَادِ اَلصَّحَفِيِّينَ اَلْعَرَبِ وَعُضْوِ مُؤَسِّسٍ فِي اِتِّحَادِ اَلصَّحَفِيِّينَ اَلْأَفَارِقَةِ . اَلرَّجُلُ اَلَّذِي ظَلَّ عَفِيفًا مُحَافِظًا عَلَى طَهَارَةِ قَلَمِهِ حَتَّى نَالَ عَلَيْهِ جَائِزَةُ اَلْقَلَمِ اَلذَّهَبِيِّ فِي اَلْجَائِزَةِ اَلْمُسَمَّاةِ ( جَائِزَةُ اَلدِّفَاعِ عَنْ حُرِّيَّةِ اَلصِّحَافَةِ )، بَدَأَ حَيَاتَهُ اَلصَّحَفِيَّةَ مُخْبِرًا يَتَجَوَّلُ بِدَرَّاجَتِهِ يُسْتَقَى اَلْأَخْبَارَ مِنْ بِرِيطَانِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ غَيْرَ أَنَّ أَوَّلَ مَقَالٍ كَتَبَهُ نَالَ عَلَيْهِ 40 ( جَلْدَةٌ ).. وَيُحْكَى هُوَ اَلْقِصَّةُ لِلشَّرْقِ اَلْأَوْسَطُ:
*( لَا أَذْكُرُ أَوَّلُ خَبَرٍ كَتَبَتْهُ . . وَلَكِنَّ أَوَّلُ مَقَالٍ كَتَبَتْهُ كَانَ عُمْرِي « 12 » عَامًا فِي صَفْحَةِ اَلطُّلَّابِ بِصَحِيفَةٍ « اَلسُّودَانِ » اِخْتَارَتْنِي اَلصَّحِيفَةُ وَأَنَا طَالَبَ فِي اَلْمَرْحَلَةِ اَلْوُسْطَى لِلْمُشَارَكَةِ فِي تَحْرِيرِهَا ، فَقَدْ اِنْتَقَدَتْ نُظَّارُ اَلْمَدَارِسِ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ ، وَكَانَ رَدُّ اَلْفِعْلِ أَنْ جَلَدَنِي اَلْمُدِيرُ « 40 » جَلْدَةٍ ، )*
*_اَلشَّرْقُ اَلْأَوْسَطُ 18 يُونْيُو 2005 اَلْعَدَدَ 9699*_
حَسَنًا فِعْلَ مَجْلِسِ أُمَنَاءِ جَائِزَةِ اَلطَّيِّبْ صَالِحْ لِلْإِبْدَاعِ اَلرِّوَائِيِّ بَإنَّتْبَاهْتَهْ لِهَذَا اَلْقَلَمِ اَلنَّزِيهِ وَلَعَلَّهُ يُرْسِلُ إِلَى أَهْلِ اَلْمِهْنَةِ إِنَّ هُمْ أَعْطَوْهَا حَقَّهَا سَيَنُوبُ عَنْ اَلْوَطَنِ وَأَهْلِهِ أَحَدَ كِبَارِ رِجَالِ اَلدَّوْلَةِ وَيَنْحَنِي لَهُ اِحْتِفَاءٌ وَتَقْدِيرٌ . . وَقَدْ اِحْتَفَى اَلْبُورَفِيسُورْ عَلَى مُحَمَّدْ شِمُّوْ رَئِيسُ مَجْلِسِ أُمَنَاءِ اَلْجَائِزَةِ بِشَخْصِيَّةِ اَلدَّوْرَةِ . . قَالَ شِمُّوْ: *( اَلْأُسْتَاذُ مَحْجُوبْ مُحَمَّدْ صَالِحْ يَتَمَتَّعُ بِتَارِيخٍ وَطَنِيٍّ وَنِضَالِيٍّ مُشَرِّفٍ وَخِبْرَةِ صِحَافِيَّةٍ قِيمَةٍ سَاعَدَ اَلْمُكَرَّمُ مِنْ خِلَالِهَا عَلَى إِرْسَاءِ دَعَائِمِ اَلْعَمَلِ اَلصِّحَافِيِّ اَلْحَدِيثِ ، لِيَتَخَرَّج عَلِي يَدَيْهِ مِئَاتِ اَلصِّحَافِيِّينَ اَلَّذِينَ تَرَكُوا بَصَمَاتُهُمْ وَاضِحَةً فِي مَسَارِ اَلْإِعْلَامِ اَلسُّودَانِيِّ وَالْعَرَبِيِّ وَالْأَفْرِيقِيِّ . )* سَأَلَهُ إِسْمَاعِيلْ آدَمْ فِي حِوَارِهِ سَالِفٍ اَلذِّكْرِ لِلشَّرْقِ اَلْأَوْسَطِ : *أَنْتَ تَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْإِنْجِلِيزِيَّةِ . . بِأَيَّتِهِمَا تَجِد نَفْسَكَ أَكْثَرَ سَلَاسَةٍ ؟*
قَالَ : *- (لَا أَجِدُ صُعُوبَةٌ عَلَى اَلْإِطْلَاقِ فِي اَلْكِتَابَةِ بِاللُّغَتَيْنِ لِلصِّحَافَةِ ، وَلَكِنِّي أَفْضَلَ اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ ، لِأَنَّهَا لُغَتَيْ ، وَلِأَنَّهَا غَنِيَّة بِالْمَعَانِي وَالْمُفْرَدَاتِ اَلَّتِي تَوَصَّلَ اَلْفِكْرَةَ تَمَامًا . . )*
أَطَاعَتْهُ اَللُّغَةُ اَلْغَنِيَّةُ لِأَنَّهُ غَنَّى بِمَعْرِفَتِهَا . . وَيَسْتَحِقَّ اِنْحِنَاءَةَ تَبْجِيلٍ وَاحْتِرَامٍ لِأَنَّهُ غِنَى بِمَا لَدَيْهِ عَنْ مَا يَضْطَرُّهُ لِبَيْعِ مَبَادِئِهِ وَتَنَازُلٍ عَنْ مِهْنِيَّةِ مِهْنَتِهِ اَلنَّبِيلَةِ وَاَلَّذِي سَيَفْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُغْلِقَ قَلَمُهُ أَوْ عَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ يَغُضُّ حِبْرُهُ عَنْ مَا يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ بِكِلْتَا عَيْنَيْهِ . . اَلْأُسْتَاذُ اِحْتَفَظَ بِقَلَمِهِ مُشْرَعًا يُؤَدِّي مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَغْلَقَ جَيْبُهُ . . سُئِلَ خَبِيرٌ بِالنَّاسِ وَعَارِفْ بِأَفْضَالِهِمْ : *مَا سِرُّ اَلْحَسَنْ اَلْبَصَرِيَّ ؟ ؟* قَالَ : *زُهْد فِيمَا عِنْدَ اَلنَّاسِ وَاحْتَاجُوا إِلَى عِلْمِهِ.*
* نشرت في فبراير 2013م..صحيفة الخرطوم