الزرقاء تنشر نص كلمة السيد مبارك الفاضل في (ملتقى الاسرة المهدوية الكبرى)
الزرقاء ميديا – الخرطوم
تنشر الزرقاء كلمة السيد مبارك الفاضل المهدي في ملتقي قوي الثورة المهدية بقاعة الصداقة.
فيما يلي نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخوة الاحباب والاخوات الاميرات
في البدء ارجو ان اترحم علي روح فقيدنا الغالي الحبيب الامام الصادق المهدي وعلي ارواح الاحباب الذين فقدناهم في الفترة الماضية في ظروف طبيعية والاحباب الذين سقطوا نتيجة الاقتتال بين القبائل الانصارية فيما بينها نتيجة لغياب سلطة الدولة وغياب الترابط والتنظيم فيما بيننا.
احييكم علي حماسكم الدافق للمشاركة في هذا الملتقي رغم ظروف الخريف والزراعة ووعورة الطرق بسبب الامطار والسيول مما يدل علي ان روح الثورة المهدية ما زالت حية متقدة في نفوسكم . ان هذا ثاني ملتقي من نوعه بعد مؤتمر الجزيرة ابا الذي دعي اليه الامام الهادي وصحبه عام ١٩٦٣.
ان الهدف من ملتقي الاسرة المهدوية الكبري هو تاسيس بناء قاعدي اجتماعي اقتصادي ثقافي يهدف الي جمع الشمل الانصاري وتعريف الاجيال الجديدة من مكونات الاسرة الكبيرة ببعضها بعد انقطاع دام ثلاثين عاما وربط هذه المكونات في تنظيم مؤسسي يتيح لهم التواصل الدوري وتبادل المنافع والخبرات وانشاء مؤسسات اقتصادية تقدم التمويل لصغار المزارعين وتخلق وظائف للشباب. ان بناء وحدتنا علي تبادل المنافع والتنمية البشرية والاقتصادية والتعريف بتاريخنا وتراثنا تاسيا بمنهج الامام عبدالرحمن وصحبه هو السبيل الامثل لرفعة وتقوية مجتمعاتنا وتعظيم وحدتنا.
ينعقد ملتقانا هذا وبلادنا تمر بمنعطف خطير اذا لم نتداركه فسوف يودي بوحدتها واستقرارها بل يعصف بنا جميعا، وهذا بشهادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي اعلن من خلال مبادرة اصدرها الشهر الماضي ان السلطة الانتقالية تعاني من انقسام مدني مدني وانقسام مدني عسكري وانقسام عسكري عسكري واضاف السيد رئيس الوزراء بان تصاعد الخلاف مؤخرا بين شركاء الانتقال اصبح يشكل خطرا علي وجود السودان نفسه. لقد اضطرب الامن في البلاد وانتشر الاقتتال القبلي في معظم ولايات السودان وسقط مئات الضحايا كما تنام الفقر نتيجة لارتفاع التضخم وضعف الانتاج مما يهدد الامن الاجتماعي للمواطنين.
ان وقف الاقتتال القبلي وحماية الوطن من التمزق والشتات وتحقيق الانتقال الديمقراطي يتطلب وحدة وتكاتف الكيانات الوطنية التاريخية التي شكلت قوي الوسط في المجتمع وفي مقدمتها كيان الانصار وليد الثورة المهدية والحركة الاستقلالية.
ان ملتقانا هذا يتشكل من نفس المكونات التي بايعت الامام المهدي وصنعت الثورة المهدية. لقد وحد الامام المهدي كل قبائل السودان والطرق الصوفية تحت الرايات الاربعة التي رفعناها علي جنبات هذه المنصة وحرر السودان من المستعمر واسس اول دولة وطنية سودانية مستقلة في افريقيا. ورغم وفاته المبكرة بعد تحرير الخرطوم باربعة اشهر الا ان الغرث الذي زرعه في ارض السودان كان قويا فقاد الخليفة عبدالله والخلفاء والامراء الدولة الوليدة ووسعوا حدودها الي شمال أوغندا جنوبا واجزاء من الحبشة شرقا ووصل جيش النجومي الي داخل الحدود المصرية شمالا. ودافعوا هؤلاء القادة عن استقلال الوطن بدماءهم في كرري والشكابة وام دبيكرات ولم تلين لهم قناة حتي قال عنهم رئيس الوزراء البريطاني ونستون شيرشيل ( انهم اشجع من عرفتهم ميادين القتال، لقد قتلناهم ولكن لم نهزمهم) انظروا الان ما حدث لبلادنا نتيجة لفرقتنا وتقاعسنا فلقد فقدنا جنوب السودان ودعوات تقرير المصير والحكم الذاتي في النيل الازرق وجنوب كردفان ودارفور تهدد بمزيد من الانشطار والتمزق لاجزاء الوطن العزيز. علينا في هذا الملتقي ان نستلهم روح الثورة المهدية وننبذ خلافاتنا ونوحد صفوفنا قبائل وعشائر وطرق صوفية وقطاع حديث وننهض سويا لانتشال وطننا من التمزق والشتات. ان ارواح اجدادنا ودماءهم التي روت ارض السودان تنادينا.
لقد ضربت الخلافات كل مكونات الوطن خلال العقود الخمسة الماضية احزاب وكيانات دينية وقبائل وعشائر من اقصي اليمين الي اقصي اليسار نتيجة للصراع حول السلطة والحكم والقيادة مما ارهقنا جميعا. صحيح ان الخلاف سنة من سنن البشر منذ ان خلق الله البشرية . لكن العيب ان لا نستطيع احتواءه ومعالجته خاصة عندما يؤثر علي استقرارنا ووجودنا. نشب الخلاف بين الخليفة شريف والخليفة عبدالله بعد انتقال الامام المهدي لكنهم تجاوزوا خلافهم وتوحدوا في الدفاع عن الوطن واستشهدوا في سبيل ذلك. في عام ١٩٦٦ حدث الانقسام بين الامام الهادي المهدي والسيد الصادق المهدي وخسر حزب الامة بسبب ذلك الانقسام اكثريته في انتخابات ١٩٦٨ ، عاد الطرفان وتوحدوا قبل اسابيع من انقلاب الشيوعيين في مايو ١٩٦٩ ولكن الضعف الذي تسبب فيه هذا الانقسام كان بلا شك سببا في نجاح انقلاب الشيوعيين الذي قتل الانصار في ابا وودنوباوي واستشهاد الامام الهادي المهدي كما ادي حكم الشيوعيين والقوميين العرب الانقلابي الي تدمير الاقتصاد الوطني من خلال التاميم والمصادرات وتشريد الكفاءات من الخدمة المدنية وتخريب مشروع الجزيرة ومشاريع النيل الازرق والابيض من اجل افقار الانصار والمعارضين لهم من الوطنيين.
وفي عام ٢٠٠٢ وقع خلاف بيننا والسيد الصادق المهدي حول منهج ادارة الحزب وحول تطبيق اتفاق جيبوتي الذي وقعناه سويا مع نظام الانقاذ في ديسمبر عام ١٩٩٩. لم يكن الخلاف حول الاهداف او المباديء بل حول الوسائل للوصول اليها . لقد كان راينا الاستفادة من انقسام النظام والتدخل الامريكي لتحقيق السلام في جنوب السودان وانتاج البترول للعمل علي تغيير النظام من الداخل والاهتمام باوضاع القاعدة الشعبية والانصار الذين حوربوا في ارزاقهم وسجنوا وعذبوا في بيوت الاشباح . بذلنا جهدا كبيرا لتجاوز هذا الخلاف منذ عام ٢٠١٠ ووقعنا عدة اتفاقات وتفاهمات لكن لم تتحقق الوحدة المنشودة حتي غادرنا الحبيب الامام الصادق المهدي الي دار البقاء.
انتقال السيد الامام الصادق المهدي الي دار البقاء ترك فراغا كبيرا في الساحة الوطنية كونه ظل ضمن اهم قياداتها علي نحو خمس عقود بل ترك فراغا في القيادة الروحية لكيان الانصار الذي شهد تاريخهم مبايعة الامام الصديق قبل مواراة جثمان الامام عبد الرحمن الثري ومن بعده مبايعة الامام الهادي قبل مواراة جثمان الامام الصديق الثري. كذلك ادي غياب الامام الصادق المهدي الي فراغ دستوري وقيادي في حزب الامة القومي افرز اضطراب كبير في ادارة الحزب وانقسام كبير بين قياداته طفح في اجهزة الاعلام،
ان اختيار قيادة روحية جديدة للانصار شان يهم كل الانصار فلابد ان يخضع لمشاورات واسعة وفق رؤية جديدة تراعي التحولات الاجتماعية في البلاد وتواكب مفاهيم الاجيال الجديدة تماما كما فعل الامام عبدالرحمن المهدي قبل سبعين عاما عندما حول الامامة من الجهاد بالسيف الي لغة عصره مما جعل الشاعر عكير الدامر يقول فيه:
جهاد المهدي سيف سلاه يلمع ضاوي ،،،،،،،حكموا في رقاب الفي الشرع بتلاوي
لكن انت باللين والحكم بداوي ،،،،،،،،، مختلفة السيوف الا الضرب متساوي
كما قال الامام المهدي لكل وقت ومقام حال ولكل زمان واوان رجال
ان هيئة شؤون الانصار تجد منا كل الدعم فهي ذراع دعوي هام ولكن لابد ان تتسع عضوية مؤسساتها وتنفتح علي احفاد الخلفاء والامراء والمراكز الدينية الانصارية المنتشرة في انحاء البلاد ولابد ان يكون لها استثمارات في مجال التعليم والزراعة والصحة وتكون لها منظمات خيرية ومراكز علاجية صحية خيرية حتي تستطيع القيام بمهامها الدعوية مع تقديم الخدمات للانصار.
ان تسمية ملتقانا هذا بالاسرة المهدية الكبري الهدف منه التاكيد علي ان اسرة المهدي لا تنحصر علي ابناءه من صلبه بل هي ابوة روحية تشمل كل الانصار وعليه فان اي خلاف في اي مؤسسة من مؤسساتنا فهو شاننا جميعا. خاصة فان احفاد الامام المهدي من صلبه المشاركين في العمل الانصاري والعمل العام السياسي عددهم قليل لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة فقد انصرف معظم احفاد الامام المهدي عن العمل العام والنشاط الانصاري وهذا امر يتطلب منا وقفة للتفاكر حول اسبابه ووضع خطة وبرنامج لكسبهم من جديد ليبذلوا خبراتهم وتخصصاتهم في تاسيس مؤسسات تمويلية وخدمية تخدم القاعدة الانصارية.
حزب الامة هو واجهة الانصار السياسية فقد قال الامام عبدالرحمن ( ان كل انصاري حزب امة ولكن ليس كل حزب امة انصاري) لابد لنا في الاسرة المهدية الكبري ان نبذل الجهد لاعادة حزب الوطنية والاستقلال العتيد الي سيرته الاولي موحدا قويا مواكبا للعصر. لابد من تشكيل لجنة عليا للتاسيس الرابع للحزب تضم كل القيادات ذات المرجعية النضالية والتاريخية تمثل فيها كل تيارات الامة وكل المكونات المجتمعية التي تتشكل منها عضوية الحزب في القطاع التقليدي والحديث تنظم اللجنة ورش عمل لمراجعة دستور ولوائح وبرامج الحزب وتعمل علي حصر العضوية وتنظيم المؤتمرات القاعدية والدعوة للمؤتمر العام الذي يجيز البرنامج وينتخب اجهزة الحزب ورئيسه.
يفتح الحزب عضويته لجميع ابناء الشعب السوداني ويدعوا جميع اعضاءه الذين خرجوا عنه او جمدوا عضويتهم فيه لاي سبب بان يعودوا الي حزبهم دون فرز او عزل لاحد الاختيار والقرار في الاول والاخر لعضوية الحزب والشعب عبر صندوق الاقتراع.. ان حزب الامة يحتاج لكل ابناءه وبناته.
لم نتخذ لهذا الملتقي شعار حب الوطن يجمعنا من فراغ بل لان وحدة اسرتنا المهدوية الكبري ووحدة كياننا وحزبنا اضحت ملحة للحفاظ علي سلامة الوطن
السلطة الانتقالية الحالية تتجاذبها الصراعات بين مكوناتها وهي عاجزة عن ادارة الدولة. هناك استقطاب يميني يساري حاد وهدم ممنهج لمؤسسات الدولة المدنية والقضائية والعدلية باسم ازالة التمكين لكنه تمكين يساري وبعثي جديد.
التضخم فاق ال ٤٠٠٪ والغلاء طحن غالبية قطاعات المجتمع
السلطة الانتقالية مشغولة بالصراع علي الكراسي لا تعيير اي اهتمام للانتاج والمنتجين العاملين في الزراعة والصناعة ولا تهتم بالخدمات لا توفر وقود للكهرباء ولا تهتم بصحة البيئة او الانسان. معظم الاحزاب الممثلة في الحكومة احزاب لافتات من مجموعات صفوية لا علاقة لها بقضايا وهموم السواد الاعظم من اهل السودان.
لقد اوضحنا للقيادة العسكرية والمدنية ان المخرج الوحيد من هذا الوضع المازوم هو تحقيق اصطفاف وطني ينهي هذا الاستقطاب الحاد ويكلف حكومة من مخضرمي الخدمة المدنية لادارة ملف الاقتصاد والتحضير للانتخابات مبكرة فهذه الفوضي لن تنتهي الا بقيام سلطة منتخبة.
ولكن الاشكال ان غالبية المشاركين في السلطة الانتقالية لا يرغبون في الانتخابات. ولا سبيل لتحقيق تحول ديمقراطي الا بوحدتنا واصطفافنا مع بقية القوي الوطنية.
ان نجاح ملتقانا هذا سيكون خطوة هامة نحو تحقيق الاصطفاف الوطني المنشود
والله ولي التوفيق
مبارك الفاضل المهدي
٧ اغسطس ٢٠٢١