1
فى نهار غائظ (الأول من شهر مارس 2021) دلفت عربة انفينتي إلى داخل الفناء الداخلي لبنك السودان وترجل منها أربعة من صبية لجنة التفكيك، يحملون خطاباً واحداً للسيد محافظ البنك المركزى.. ما أن جلسوا إليه فى مكتبه حتى أسلموه الخطاب، وبدأ يقرأ والعرق يتصبب من جبينه وهم يبتسمون.. ما أن فرغ من قراءة الخطاب حتى طلب من نائبه صلاح الدين شيخ خضر أن يقرأ فقرأ وأصابته الحيرة والدهشة وألمّ به أسىً عميق.
2
قال محافظ البنك: هذا قرار وما تم الاتفاق عليه مع رئيس الوزراء أن لا يُتخذ أي قرار إلا بعد التشاور معنا.. فابتسم الصبية وقالوا كلمتين: (القرار للتنفيذ)!
حاول صلاح شيخ خضر وآخرون فى إدارة البنك أن يوضحوا لصبية التفكيك خطورة القرارات التي اتخذوها على البنك المركزي والبنوك الأخرى، واستخدموا كل الحجج الاقتصادية والقانونية والإنسانية والأخلاقية لكن مين يسمع؟ أصر الصبية على ارتكاب مجزرتهم من دون معرفة بحقائق العمل فى البنوك، ودون أي وازع انساني أو أخلاقى.
3
أفاد صلاح بعدها فى طلب الإعفاء بتاريخ 19 أبريل 2021 (كانت اللجنة الفرعية للتفكيك بالبنك أخطرت كل من وردت أسماؤهم بالكشف الذي أوصت به بأنه تم الإستغناء عن خدماتهم، ومنعتهم من الدخول للبنك، وتحفظت على أجهزة الحاسوب الخاصة بهم، ولم يُتح لهم حتى أخذ متعلقاتهم الشخصية، و عوملوا وكأنهم مجرمون وهم الذين أفنوا زهرات شبابهم في خدمة هذه المؤسسة إخلاصاً و تفانياً ونشهد لهم صادقين بذلك).
4
انتهى الاجتماع وامتطى الصبية فارهاتهم وتركوا مديري البنك وكأن على رؤوسهم الطير، غير مصدقين ما يحدث أمامهم، بعد ان حذروا من الكارثة، وأصدروا المناشدات سراً وجهراً لرئيس الوزراء، وخاطبوا مجلس السيادة وأعضاء لجنة التفكيك، وكتبوا المذكرات وترجوهم، ولكن بابكر فيصل وصبيته وكبيرهم لا يسمعون نداءً، كأن فى آذانهم وقر.
5
كانت القرارات باختصار نسفاً كاملاً لإدارة البنك.. سُمّى القرار 233 أي والله 233 ضمنهم كل مديري الإدارات بالبنك ونوابهم ونواب نوابهم وأقساماً كاملة، رُميت فى الشارع، وعمال وموظفين صغار وكبار وبوابين.. لم يتركوا إدارةً أو جسماً الا هدموه.. في اليوم التالي للمجزرة تحدث كبيرهم صلاح مناع في تصريح للإعلام ووصف فيه البنك المركزي بأنه (أكبر طامة) في البلاد، موضحاً أن المحافظ رفض تنفيذ قرار بإزالة عدد كبير من موظفي النظام البائد).
6
فى تصريح مستفز كعادته قال مناع بعد أن تمنّع محافظ البنك المركزي: (هذا البنك المركزي لو تم إغلاقه بالطبلة لن يحدث أي شيء)، ومضى قائلاً له “أنا قلت ليهو لديك ثلاثة خيارات، إما تُنفذ أو تُقال أو تستقيل، رفض ينفذ وفي النهاية نفذ غصباً عنه”.. هكذا تحت وطأة الاٍرهاب المناعى رضخ المحافظ فعلاً، ونفذ المجزرة غصباً عنه، مطأطئاً رأسه خوفاً وطمعاً.. وترك زملاءه فى العراء.. لم يمكنوهم حتى من أخذ مقتنياتهم الشخصية من مكاتبهم.. أغلقوا كل أبواب البنك فى وجوههم ويالها من زمالة!!
سيادة المحافظ لعن الكراسي التي ستغادرها يوماً ما.. كان بمقدورك أن تتخذ الموقف الذي يتخذه الرجال الأوفياء الذين يتسمون بروح الزمالة والإخاء.
7
رحم السودانيات ولود.. إذا خرج من بين ركام الهدم رجلٌ اسمه صلاح الدين شيخ خضر؛ نائب محافظ بنك السودان، ليسجل اسمه فى التاريخ بأحرفٍ من نور في وقت لاذ فيه آخرون بصمت مريب.. طفرت مني دمعة وأنا أقرأ ما خطة قلمه الرصين.
أعجبتني رجولته ووفاءه لمهنيته وللزمالة، تعجبني الرجولة حين تتبدى في أعلى مراقيها، وحين يكون صاحبها قادراً على قول الحق ودفع الثمن.. صلاح هذا يساري حقيقي، وكان من طلائع مواكب الثوار في ديسمبر، وعمل فى البنك المركزى ثلاثين عاماً قضاها ي معارضة الانقاذ، وظل فى مكانه ووظيفته يعطي جهده وعرقه لوطنه، لا للنظام، مما أهّله لتعينه الحكومة فى (7/10/2020) أي بعد الثورة نائب الثورة نائباً للمحافظ، بعد أن رفض مراراً أن يصبح محافظاً للبنك.
8
بعد أن تقدم بادب شديد بطلب إعفاء كتب: (في مسيرة خدمتي التي امتدت ثمانية وثلاثين عاماً في بنك السودان، قدمت فيها خدماتي من خلال العمل في جُل إن لم يكن كل وحدات وإدارات البنك العامة والأساسية، بالإضافة إلى العمل كمدير عام لإحدى المؤسسات التابعة له، وهي الوكالة الوطنية لتأمين وتمويل الصادرات، وقد قمت بتمثيل البنك في كمٍ مقدر من لجان و منابر وفعاليات العمل على المستوى الداخلي والإقليمي و الدولي و أعتقد – وبكل تواضع – أنني نهضت بدوري بما ينبغي وما هو منشود).. ترى ما هي الأسباب دعت هذا الرجل الوطنى الوفى.. بل الرجل العظيم أن يترجل من من منصبه الرفيع في قيادة البنك المركزي.. ستقرؤون عجباً.. إلى حلقة الغد.