يتداول عدد ممن يمعنون النظر للأحداث برؤية مكنتهم منها بصائر تأهيلهم العلمي، أو ماتراكم لديهم من خبرات وتجارب في الخدمة العسكرية أو المدنية..يتداولون ظاهرة التسارع اللاهث في اتجاه دمار المؤسسات العسكرية بجميع مكوناتها..فقد تواتر الاحباط بأعلى معدلاته في جميع قطاعات المنظومة الدفاعية( القوات المسلحة والشرطة والأمن).
.منذ شهرين احتشدت قوات الشرطة في الساحة الخضراء للاستماع لمخاطبة من وزير الداخلية و مدير عام الشرطة تخللتها هتافات عالية النبرة تندد بقيادة الشرطة وتبث انفاسا كتمت طويلا من والوضع المزري لجهاز الشرطة.
المناخ العدائي الذي تتبناه قيادة الجهاز التنفيذي للشرطه، وكلابيب الاجرأءآت المستحدثة التي تكبل أداءها، والشتائم النابية التي يقذفها بها أنصار الحكومة، مقروء ذلك مع الخليج المضطرد الاتساع بين الشرطة ( ضباطا وأفراد) وبين وزيرها، كل ذلك انعكست نتائجه في تفشي الاجرام المنظم، وتعدد اساليبه حتى أمست عاصمة الأمس – التي كانت مضرب المثل بين عواصم العالم في الهدوء والأمن على الأشخاص والممتلكات- امست مدينة لا يأمن ساكنها علي نفس أو مال أو مسكن أو مركب.. والشرطة التي هي جهاز فرض القانون كما هي وملاذ السلامة ، مكبلة وعاجزة و محبطة.
في تلك الوقفة قبل شهرين حينما تفاجأ وزير الداخلية حين ارتفعت عقائر جنده بما علمه الناس جميعا ، رد عليهم بأن لم يرغب بالوضع الراهن فليستقيل أو ليخرج.. يقول الرواة أن زهاء الألف من منتسبي الشرطة سجلوا رغباتهم في الخروج بالاستقالة في ذات اليوم. و ما مر على تاريخ ذلك التجمع اياما حتى عبر الآلاف من الضباط من رتبة العقيد فما دون من رغبتهم في مغادرة مهنتهم بعد ان أمضوا فيها عشرات السنين..الكل كان يخرج انفاسا ساخنة مثل شاكلة تسريب ينبعث من اسطوانة غاز مشروخة.تلك أنفاس تتزايد يوميا قابليتها للأشتعال.. فللشرطي ضابطا كان أو فردا ، راتب لا يكفي اسبوعا لوجبة واحدة في اليوم لأسرة صغيرة لها طفل واحد في سن التمدرس..
أما الأداء الشرطي المهني فقد اعتقلته حكومة حمدوك في زنازن القانون المجرم للأداء المنطقي لمكافحة الجريمة..فرجل الشرطة مطلوب منه اداء تستوجبه مقتضيات العمل الشرطي كما كل العالم. لكن هذا الواجب المهني للشرطة قد احاطته حاضنة حمدوك بمناخ شديد الكراهية والاحتقار.
القراءة المتأملة لحال الشرطة تشير الى تسارع انهيارها بتسارع ما يولده واقعها البئيس.سواء بالاستقالات الجماعية أو بحالات تشبه الاضراب الذي يتمدد في كل قطاعات الدولة. السبب الوحيد الذي يحول بين سيل الاستقالات وافراغ جهاز الشرطة شبه الكامل ليس الرغبة في الاستمرار في خدمة هذا حالها وانما هو فقط عدم القدرة المالية للحكومة للأيفاء بحقوق ما بعد الخدمة للضابط والفرد المسقيل.
كل ما قيل آنفا عن الشرطة يمكن اسقاطه علي القوات المسلحة. لا يوجد من القول ابلغ عن الحديث عن واقع الجيش مما قاله اللواء البكراوي المنسوب اليه تدبير المحاولة الانقلابية الأخيرة.
يتسابق الضباط والجنود للأشتراك في حرب اليمن حتى وان كانت خاتمة المشاركة القتل او الشلل أو الاسر أو التجريم بتهمة الارتزاق. ما دام هناك أمل في عودة للبلاد تحقق لفرد ( ضابطا او جنديا ) من اقتناء وسيلة دخل يتمكن بها من ترك الخدمة، فذاك أصبح غاية المنى!!! و من لم يتمكن من سفر اليمن فستظل الاستقالة تراوده باي شكل . الفئة الوحيدة التي تتأنى في رغائب الاستقالة الفورية هي رتبة اللواء فما فوق أملا أن ترقي للرتبة الأعلى بما يحقق لها مردودا من فوائد ما بعد الخدمة يمكنها من استئناف حياة مغايرة.
بعض من تولى قيادة البلاد اليوم لا يبدو ان ثمة ما يزعجه في هذا الحال الخطير . كلما اتسع الفتق في هذه الاجسام المناط بها تماسك البلاد والدفاع عن وجودها ، كلما كان هذا داعما مجانيا للمشروع الاستراجي لمشغليه الاجانب…مشروع تفكك المنظومة العسكرية تمهيدا لتفكك السودان. ولأجل ذلك كان تسارعهم السري لاستقدام قوات أجنبية( على غرار العراق وافغانستان وليبريا وسيراليون) لنشرها في كل ركناطراف البلاد. مخطئ من يظن أن مشروع حكام السودان الأجانب اليوم لتفكيك جيش البلاد ومنظومتها الأمنية قد ازيح بالكلية!! الذين يدفعون رواتبهم الدولارية لا يفعلون ذلك تبرعا لوجه الله. حين أعلن عن احباط المحاولة الانقلابية ، انبرى مخدموهم ينافحون عن بقاء حمدوك كأنه حاكم لكاليفرنيا او بنسلفانيا أو احد دول اوربا الغربية.. المشروع الاستراتيجي لتفكيك المنظومة العسكرية السودانية بتخويف أو ابتزاز قادتها أو افقار منتسبيها او ما يسمونه أعادة هيكلتها. هذا عمل استراتيجي واحد هدفه الرئيس دمار السودان.
سيطرب هؤلاء فرحا حين تفرغ المؤسسات العسكرية من عناصرها الوطنية المهنية المدربة ذات التاريخ الممتد لمائة عام. سواء أكان هذا الأفراغ بوسيلة الافقار الممنهج أو الفصل المتعسف او غيرها. جيشهم الجديد جاهز في كاودا او في جبل مرة او بديل من الاجئين جنود ارتريا واثيوبيا.