جديد المولد..تجليات الحارات والفضاءات والخيام
(أيكون الخير فى الشر إنطوى)؟!.
د عبد السلام محمد خير
.برغم ما كان إعترى الكون فالأمل يتراءى فى انفراج من بعد ضيق..هكذا كان الأمر أصلا(فإن مع العسر يسرا)..كم من الإسرار تبدو كامنة بين تجليات(المولد)قريبا من الناس،فى الحارات والمنابر والفضائيات..مشاهد تخطف الأنظار وتثير التساؤلات،لماذا الزحام يتعاظم؟!..خدمات طبية بالخيام للنجاة من وباء فعل ما فعل ومنه أنه أغلق أبواب المساجد،بل الحرمين..كأنما هناك(فش غبينة)وإدراك ما فات من خير ..المحليات تتبارى برموزها على تنوع طرائقهم-حبا فى الله، تتقدمهم قيادات رسمية هم هذه المرة ضباط إداريون يطلون بخطاب مواكب ومستطاب و(منضبط)هو ديدن خطاب دولة التعايش والمجتمع المجبول على التراضي..فضائيات وإذاعات سخية تلتقط أنفاس الذكرى وتضرب المثل فى متعة(الإعلام الهادف)..تابعت فضائية السودان وفضائية الخرطوم تمزجان على الهواء وهج الزفة فى الشارع بأسرار السيرة بالأستديو وقد تمكن منه فريق عمل مبروك وصفوة من أهل العلم..جميعهم يحرض للحسنى والتسامح،ويكررون(كان خلقه القرآن)-صلى الله عليه وسلم.
خطاب مرجعي وسطي طابع الإحتفالية..محاضر فى إرهاصات النبوة أفاض فى دلائل البركات التى حلت حيثما أقدم المبعوث رحمة للعالمين..قال إن(البركة) تعمر القلوب وتحل حيثما أقيم إحتفال بإحياء السنة..إن(بركة الأمكنة) تستهوي الناس..تفضل الشيخ من باب التحفيز والإستبشار فأضاف(بما فيها مقامكم هذا)!..ثم عزز الإضافة(وحيثما تدافع الناس عن محبة)..كأنه ينوه لهذا الإحتفال الذى إنتظم بأحد مساجد حارات أمدرمان بغير مثيل..وكأنما فى الأمر رد فعل لأيام طويت فيها الخيام بعد أن ظل طبعهن(الهيام)فى محبة خير الأنام..إستهل الشيخ محاضرته بقفشات مشهية لينوه لزحام فى أماكن الإحتفال هذه المرة بأكثر مما كان عليه الحال ليقول كأنه يكشف سرا(إن شجون الناس وراء هذا التدافع)!.
إستهوتني إيحاءات كلمة(شجون)هذه!..فلا أحد يكاد يسلم منها هذه الأيام والحال طابعه توتر موعود بخير قادم باذن الله، ما دمنا نحسن الإقتداء..هنا السلوى،وهنا التحدي..هاجس حسن الإقتداء هوغاية الإحتفال بالذكرى و(حمص)الخروج..نوازع(الشجون)تتداعى قرينة بشريات تترى على لسان شيخ خفيف الظل،مطلع على الأحوال، ودارس للتاريخ..أطل من منصة مولد من أرسله الله(رحمة للعالمين)مبشرا،فالكل يقتدون فيستبشرون بأن تزول الهموم..شيخنا هذا يبدو مستبشرا بخفايا السيرة وأسرارها وبمآلات حسن الإتباع..كأنه أحس بما شغلنا من هموم و(شجون)فسارع يفصل ويبشر..أشار لما أثار الشجون لديه وحوله،حرمان من العمرة والحج بسبب وباء أنهك الكون،مظاهر الخلافات والتفلتات وغلاء الأسعار،تلاحق الأزمات،تعنت الخطاب العام،ثم ما اعترى معاش الناس فمس نوافذ أثيرة، الإنفاق،التكافل، والعمل الصالح- غاية الدنيا والآخرة.
المشهد حيث اتجهت يبدو خلابا،يعاند ما كان من نواقص..بدء من إضاءة باذخة- فالكهرباء داهمها الحياء،أكرم وأنعم!..كأنها لم تكن(قاطعة)للعشم يوما!..الكل يردد:علها تبقى على حالها(أيام المولد)فتحل عليها البركة وعلى البلاد..جاءت زفة المولد باشعاعاتها كرد فعل أقوى من أي فعل مس عقائد الناس ومعاشهم..زفة إيحاءاتها مبشرة بالتقوى على الخلاف وعنت الخطاب..زحام ميارك يوحي بسلوى لمن حرموا من طواف بالكعبة المشرفة وزيارة المدينة المنورة بأشوقها التى فعلت ما فعلت بأهل المحبة..ذكرنا المتحدث بمآلات الأشواق للحرمين مستشهدا بمن قال(نحروا ذبائحهم وسال دماؤها..وأنا المتيم قد نحرت فؤادي)-عبدالرحيم البرعي اليماني..حكى كيف كابد أشواقه حتى(جاور)وترك مثلا لمن بلغت بهم أشواق زيارة المصطفى ما بلغت..قلنا لأنفسنا: كلنا ذاك المشتاق أقسم وتعهد:(نذر علي إن وقفت ببابه)..يحكي شيخنا المحاضر عن تجربة، فقد جازف وزار مرقد هذا المشتاق الذى أجاد المدح وأبكى ليبقى فى قلوب أهل السودان يجدد أشواقهم:(ما أحلى المبيت على منى..فى ليل عيد أبرك الأعياد)..اللهم أوعدنا وجميع الباقين على شوق.
رسالة طابعها(الاشواق) تتجلي أكثر بعد زوال وباء حورب بالدعاء وبحملات للتطعيم تتصدر الخيام..لا حرمان،لا كراهية،لا ظلم،ولا تضييق لما جعله الله متسعا..الرسالة الخاتمة تبشر بالقادم،سعة فى الإنفاق،وتدافع نحو الإقتداء بصاحب الذكرى،دليله(إستقبال قوى للمناسبة يفتح أبواب السماوات والأرض حيال ضعفنا)- يقول الشيخ..والكل فى هذا يقولون..ومنه قولهم المولد كل مرة كأنه لأول مرة..رسائل تترى تبشرالكل(وفيكم رسوله)..الشارع يفيض بالناس، تبسما وعشما فى الشفاعة،إلحاحا فى الدعاء بأن ينصلح حال البلاد والعباد..فكأنهم ما صدقوا أنه ما عاد هناك ما يوحدهم..يتجدد اليقين والشعور بالرضاء فى مقام حسن الإتباع لمن(كان خلقه القرآن)..أينما اتجهت يتراءى ما يسعف الحال إستبشارا بنهج(دولة المدينة)وإلهام(دستور المدينة) ودولة(المؤاخاة)..لتمضي الحياة(على تقوى من الله ورضوان)..إنها رسائل(المولد)..يشغل الناس أمر جلل فيتذكرون صاحب الذكرى ليهتف فيهم هاتف(صلوا عليه..صلوا عليه)-الكل يستجيب..يتسامحون،يعلو شأن ما يصلح الحال على كل الأصوات..فلعل(ثغرنا)الحبيب مدخل الحرمين يرددها(صلوا عليه) فتنقشع الغمة..الشدائد سانحة للتقرب لله تعالى بحمده ومدح نبيه(ومما زادني شرفا وتيها..وكدت بأخمصي أطأ الثريا..دخولي تحت قولك يا عبادي..وأن صيرت أحمد لي نبيا)- صلى الله عليه وسلم.
د.عبدالسلام محمد خير